فكان هذا التبويب للأحاديث كان النواة الأولى في استقلال كل باب، فيما بعد، بالبحث والنظر والعناية بالبيان وبيان الأحكام، فعن أبواب الإيمان، والوحي، والسنة، والتوحيد.. نشأ علم العقيدة واستقل عن العلوم الأخرى المستنبطة من الكتاب والسنة, فكان هذا هو العامل الأول.
2- وأما الثاني: فقد كان المسلمون عند وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه، غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا ... وكانوا على كلمة واحدة في أبواب العدل والتوحيد, والوعد والوعيد، وفي سائر أصول الدين، وإنما كانوا يختلفون في فروع في مسائل كثيرة، بل يمتد هذا الخلاف إلى عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان اختلافهم هذا لا يورث تضليلا ولا تفسيقا1؛ لأنه في أمور لا تمس العقيدة، وإنما هي مسائل فرعية، ثم هي مما لم يرد بها نص صريح عن الله تعالى أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو جاءت في بعضها نصوص مختلفة، بعضها يعارض بعضا في ظاهر الأمر.
فلم يكن بد لأحدهم من أن يجتهد برأيه، فيستنبط من نصوص الشريعة العامة حكم بعض المسائل أو يقيس شيئا على شيء، ولم يكن بد لأحدهم -إذا جاءته نصوص مختلفة- من أن يوازن بين هذه النصوص فيرجح بعضها أو يخصص كل نص بحالة تغاير حالة النص الآخر، أو غير ذلك من وجوه الترجيح2.