صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى من بعدهم من التابعين مشافهة وتلقينا، وإن كان عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يخل من كتابة بعض الحديث، لا على سبيل التدوين الرسمي. ولقد انقضى عهد الصحابة ولم تدون فيه السنة إلا قليلا، وتكاد تجمع الروايات على أن أول من فكر بالجمع والتدوين للسنة من التابعين: عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم -عامله وقاضيه على المدينة-: "انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم1 وذهاب العلماء". فكتب شيئا من السنة.. وقام محمد بن شهاب الزهري -وكان عَلَما خفَّاقا من أعلام السنة في عصره- بتدوين كل ما سمعه من أحاديث الصحابة غير مبوّب على أبواب العلم، وربما كان مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين، وهذا ما تقتضيه طبيعة البداءة في كل أمر جديد2.
ثم شاع التدوين في الجيل الذي يلي جيل الزهري، في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، مع ضم الأبواب بعضها إلى بعض في كتاب واحد -على ما فعله الإمام مالك في "الموطأ" ثم من بعده البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، وأصحاب السنن في "جوامعهم وسننهم"- فبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب، مثل: باب الإيمان، باب العلم، باب الطهارة، باب الطلاق ... باب التوحيد ... باب السنة، وهكذا.