أخلاقياً تربوياً، فأصبح من السهل قراءة مثل هذا الكتاب، وأصبح يمثل عشر حجم الكتاب الأول. وفي سنة 1342 وقعت بيدي نسخة هذا الكتاب فأعجبت به ورأيت نشره فرصة سانحة للفائدة منه في المدارس الشرعية الدينية، ثم وقعت بيدي نسخة ثانية وثالثة، وهذا ما دعاني إلى أن أفكر في طبعه ونشره نظراً للفائدة المتوخاة منه، فطبعته، ولما تأسست الكلية الشرعية في دمشق عرضته على إدارتها وعمدتها فاستحسنت عملي وقررته في جميع مدارسها في دمشق وحلب وحمص وحماة ثم انتشر في جميع العالم الإسلامي.
هذا وقد سمحت للسيد بشير عيون -صاحب مكتبة دار البيان بدمشق- أن يطبع هذا الكتاب طبعة متقنة تريح القارىء وتيسر له الانتفاع به، وأظن أنه قد حقق رغبتي، ونظراً لمرضي الشديد وضعف نظري، فقد قام الأستاذان شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط اللذين عرفا بتمكنهما من علوم السنة، وصناعة التحقيق بتعليق حواشيه، وبتخريج ما ورد فيه من الأحاديث الضعيفة، وبيان ضعفها فجزاهما الله تعالى خير الجزاء، ونفع بهما. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وإليك ترجمة:
بنو قدامة
في الحروب الصليبية كانت مقاطعة نابلس من نصيب أمير فرنسي ظالم كان اسمه باليان بن بارزان، وكان يعامل أهل مقاطعته أسوأ معاملة، فحينما يفرض جيرانه من الصليبيين على من تحت يده ديناراً أخذ هو من كل واحد منهم أربعة دنانير، وهكذا كانت معاملته في كل الأمور. وكان في قرية جَمَّاعيل -ويدعونها في عصرنا هذا جماعين- فقيه صالح يقرأ للناس دروس العلم ويعظهم في بعض الأحيان. وبلغ الأمير الفرنسي ما يقوم به الشيخ أحمد بن قدامة من هذه الدروس فعزم على قتله، وبلغ ذلك الشيخ أحمد بن قدامة فلم ير أمامه إلا الفرار إلى مدينة دمشق والالتجاء إلى ملكها نور الدين محمود بن زنكي وفي سنة 551 هـ فر الشيخ أحمد بن قدامة من جبل نابلس إلى مدينة دمشق مع بعض أقاربه، ونزل هو وأقاربه بمسجد خارج الباب الشرقي أحد أبواب دمشق في مسجد يقال له: "مسجد أبي صالح"، وأخذت الهجرات تتابع بعد ذلك وتنضم إليه في هذا المسجد، وكان هذا المسجد موقعه غير صحي وهواء تلك الجهة رديئاً وأصابهم الوباء، وأخذوا يتوفون الواحد تلو الواحد، وضاق صدر الشيخ