غيره، لَكِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ وَهَذَا لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يُفِدْهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ لنفسه، ولا تابعه أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَاطِلًا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ، كَذِبٌ عَلَى الصَّحَابَةِ فإنه لم يبايع منهم أحد لعلي على عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنَّ يَدَّعِيَ هَذَا، وَلَكِنْ غَايَةَ مَا يَقُولُ الْقَائِلُ إِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَخْتَارُ مُبَايَعَتَهُ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَوَلَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَخْتَارُ وِلَايَةَ مُعَاوِيَةَ، وَوِلَايَةَ غَيْرِهِمَا، وَلَمَّا بُويِعَ عُثْمَانُ كَانَ فِي نُفُوسِ بَعْضِ النَّاسِ مَيْلٌ إِلَى غَيْرِهِ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْلُو مِنَ الْوُجُودِ.

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا وَمَا حَوْلَهَا مُنَافِقُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الأَعْرَاب مُنَافِقُون وَمِن

أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُم نَحْنُ نَعْلَمُهُم} (?) وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ: {وَقَالُوا لَوْلاَ نَزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم} (?)

فَأَحَبُّوا أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ من أهل مكة والطائف، قَالَ تَعَالَى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيشَتَهُم فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُم فَوْقَ بَعْض دَرَجَات} (?) .

وأما ما وَصْفُهُ لِهَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَأَنَّهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ الزُّهْدُ وَالْجِهَادُ فِي طَائِفَةٍ أَقَلَّ مِنْهُ فِي الشِّيعَةِ، وَالْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ كَانُوا أَزْهَدَ مِنْهُمْ وَأَعْظَمَ قِتَالًا، حَتَّى يُقَالَ فِي الْمَثَلِ حَمْلَةٌ خَارِجِيَّةٌ وَحُرُوبُهُمْ مَعَ جُيُوشِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي العباس وغيرهما بالعراق والجزيرة وخراسان والمغرب وغيرهما مَعْرُوفَةٌ، وَكَانَتْ لَهُمْ دِيَارٌ يَتَحَيَّزُونَ فِيهَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ.

وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَهُمْ دَائِمًا مَغْلُوبُونَ، مَقْهُورُونَ مُنْهَزِمُونَ، وَحُبُّهُمْ لِلدُّنْيَا وَحِرْصُهُمْ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا كَاتَبُوا الْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ، ثُمَّ قَدِمَ بِنَفْسِهِ غَدَرُوا بِهِ، وَبَاعُوا الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، وَأَسْلَمُوهُ إِلَى عَدُّوِهِ، وَقَاتَلُوهُ مَعَ عَدُّوِهِ، فَأَيُّ زُهْدٍ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَأَيُّ جِهَادٍ عِنْدِهِمْ.

وَقَدْ ذَاقَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَ الْكَاسَاتِ الْمُرَّةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلا الله، حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015