وَذَكَرَ هَذَا الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي كِتَابِ تثبت النُّبُوَّةِ لَهُ، وَعَزَاهُ إِلَى كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ، الَّذِي صَنَّفَهُ فِي النَّقْضِ عَلَى ابْنِ الرواندي اعتراضه على الجاحظ (?) .
فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ هَذَا إِنَّ الَّذِينَ بَايَعُوهُ كَانُوا طُلَّابَ الدُّنْيَا، أَوْ جُهَّالًا، وَلَكِنَّ هَذَا وَصْفُ الطَّاعِنِ فِيهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ فِي طوائف الْقِبْلَةِ أَعْظَمَ جَهْلًا مِنَ الرَّافِضَةِ، وَلَا أَكْثَرَ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَقَدْ تَدَبَّرْتُهُمْ فَوَجَدَتْهُمْ لَا يُضِيفُونَ إِلَى الصَّحَابَةِ عَيْبًا إِلَّا وَهُمْ أَعْظَمُ الناس اتصافا به، والصحابة ابعد عَنْهُ، فَهُمْ أَكْذَبُ النَّاسِ بِلَا رَيْبٍ كَمُسَيْلِمَةَ الكذاب، إذ قال: أنا نبي صادق، ولهذايصفون
أَنْفُسَهُمْ بِالْإِيمَانِ، وَيَصِفُونَ الصَّحَابَةَ بِالنِّفَاقِ، وَهُمْ أَعْظَمُ الطوائف نفاقا، والصحابة أعظم الخلق إيمانا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، ولم تأخذهم بالله لَوْمَةُ لَائِمٍ، بَلْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ، وَحَيْثُ حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ، وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادُ الْإِنْصَافِ، وَأَنْ يُقِرَّ الْحَقَّ مَقَرَّهُ، وَلَا يَظْلِمُ مُسْتَحِقَّهُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {َأَلاَ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الظَّالِمِين} (?) .
فَيُقَالُ لَهُ أَوَّلًا: قَدْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى كَذَا، وَطَائِفَةٌ إِلَى كَذَا، وَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ أَصَحُّ، فَأَمَّا إِذَا رَضِيَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ، والأُخرى بِاتِّبَاعِ الْبَاطِلِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ تَبَيَّنَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى النَّظَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ بَعْدُ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ.
وَيُقَالُ لَهُ ثَانِيًا: قَوْلُكَ: إِنَّهُ طَلَبَ الْأَمْرَ لنفسه بحق، وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَإِنَّمَا طَلَبُهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَبُويِعَ وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ النَّاسِ كَانُوا مَعَهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْأَقَلُّونَ وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدْعُ إِلَى مُبَايَعَتِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَا بَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ.
وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ تَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ ذَلِكَ، وَتَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْإِمَامَةِ، دُونَ