مقصود الولاة - وَأَنَّهُ إِذَا أَفْضَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْمَنْصُوصِ حَصَلَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْأُمَّةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ بغير المنصوص، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ مَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ، كَانَ الْوَاجِبُ الْعُدُولَ عَنِ الْمَنْصُوصِ.

مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ شَخْصَانِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ وَلَّى أَحَدَهُمَا أُطِيعَ وَفَتَحَ الْبِلَادَ، وَأَقَامَ الْجِهَادَ، وَقَهَرَ الْأَعْدَاءَ، وَأَنَّهُ إِذَا وَلَّى الْآخَرَ لَمْ يُطَعْ، وَلَمْ يَفْتَحْ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ، بَلْ يَقَعُ فِي الرَّعِيَّةِ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ، كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا وَلَّاهُ حَصَلَ بِهِ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ، لَا مَنْ إِذَا وَلَّاهُ لَمْ يُطَعْ وَحَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعِيَّةِ الْحَرْبُ وَالْفِتْنَةُ. فَكَيْفَ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَالِ وِلَايَةِ الثَّلَاثَةِ؟ وَمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ، فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، لَا يَنُصُّ عَلَيْهَا وَيَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ مَنْ لَا يُطَاعُ بَلْ يُحَارَبُ وَيُقَاتَلُ، حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ قَهْرُ الْأَعْدَاءِ وَلَا إِصْلَاحُ الْأَوْلِيَاءِ.

وَهَلْ يَكُونُ مَنْ يَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ هَذَا دُونَ ذَاكَ إِلَّا جَاهِلًا إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الحال أو ظالما مفسدا. إن علم. وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ.

وَهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْعُدُولَ عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ، إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْفَسَادُ.

وَاذَا قِيلَ إِنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ مِنْ معصيتهم لَا مِنْ تَقْصِيرِهِ. قِيلَ أَفَلَيْسَ وِلَايَةُ مَنْ يُطِيعُونَهُ فَتَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ مَنْ يَعْصُونَهُ، فَلَا تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ بَلِ الْمَفْسَدَةُ؟

وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُنَاكَ مُؤَدِّبَانِ إِذَا أَسْلَمَهُ إلى أحدهما تعلم وتأدب، وَإِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى الْآخَرِ فَرَّ وَهَرَبَ، أَفَلَيْسَ إِسْلَامُهُ إِلَى ذَاكَ أَوْلَى؟ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَاكَ أَفْضَلُ، فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي فَضِيلَتِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِنُفُورِهِ عَنْهُ.

وَلَوْ خَطَبَ الْمَرْأَةَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الآخر لكن المرأة تكرهه، وإن تزوجت بِهِ لَمْ تُطِعْهُ، بَلْ تُخَاصِمُهُ وَتُؤْذِيهِ، فَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ هُوَ بِهَا، وَالْآخَرُ تحبه وَيَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، أَفَلَيْسَ تَزْوِيجُهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ أَوْلَى بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ؟ وَنَصُّ مَنْ يَنُصُّ على تزويجها بهذا أَوْلَى مِنَ النَّصِّ عَلَى تَزْوِيجِهَا بِهَذَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015