الشِّيعَةِ عَلِيٌّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْأَتْقَى الَّذِي هُوَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ وَاحِدًا غَيْرَهُمَا، وَلَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ يَدْخُلُ فِي الْأَتْقَى، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ أحدهما في ((الأتقى)) وجب أن يكون أبا بَكْرٍ دَاخِلًا فِي الْآيَةِ، وَيَكُونُ أوْلى بِذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ لِأَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: ( {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} (?) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ - فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَنْفَقَ مَالَهُ، وَأَنَّهُ مقدَّم في ذلك على جميع الصحابة.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُونُهُ لِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَبِي طَالِبٍ لمجاعة حصلت في بِمَكَّةَ، وَمَا زَالَ عَلِيٌّ فَقِيرًا حَتَّى تَزَوَّجَ بفاطمة وهو فقير. وهذا مشهور معروف عند أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَانَ فِي عِيَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُنْفِقُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنْفَقَهُ، لَكِنَّهُ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ لَا منفِقا.
السَّبَبُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزَى} (?) . وَهَذِهِ لِأَبِي بَكْرٍ دُونَ عَلِيٍّ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ أَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِهِ، وَتِلْكَ النِّعْمَةُ لَا يُجْزَى بِهَا الْخَلْقُ، بَلْ أَجْرُ الرَّسُولِ فِيهَا عَلَى اللَّهِ، كَمَا قَالَ تعالى: {قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (?) ، وَقَالَ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} (?) .
وَأَمَّا النِّعْمَةُ الَّتِي يُجزى بِهَا الْخَلْقُ فَهِيَ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ تَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، بَلْ نِعْمَةُ دِينٍ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ كَانَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - عنده نعمة دنيا يمكن أن تُجزى.
الثَّالِثُ: أَنَّ الصدِّيق لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَبٌ يُوَالِيهِ لِأَجْلِهِ، وَيُخْرِجُ مَالَهُ، إِلَّا الْإِيمَانُ، وَلَمْ يَنْصُرْهُ كَمَا نَصَرَهُ أَبُو طَالِبٍ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ، وَكَانَ عَمَلُهُ كَامِلًا فِي إِخْلَاصِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: { (إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ اْلأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى (}
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ} (?) . فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية. والتمس هَؤُلَاءِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى غَنِيمَةِ خيْبَر،
فَمَنَعَهُمُ الله تعالى