صلى الله عليه وسلم - له بستانا عوضا فِي الْجَنَّةِ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقال: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِأَبِي الدَّحْدَاحِ دُونَ أَبِي بَكْرٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَأَسْبَابِ نُزُولِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مكيَّة بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَقِصَّةُ أَبِي الدَّحْدَاحِ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْأَنْصَارُ إِنَّمَا صَحِبُوهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ تَكُنِ الْبَسَاتِينُ - وَهِيَ الْحَدَائِقُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْحِيطَانِ - إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ، بَلْ إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ

فِيهِ، فمعناه أنه ممن دخل في الْآيَةُ فِي كَذَا)) وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَتَنَاوَلَتْهُ، وَأُرِيدَ بِهَا هَذَا الْحُكْمُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ قَدْ تَنْزِلُ الْآيَةُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ، وَمَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ.

فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يُمْكِنُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي قِصَّةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا نزلت بمكة قبل أن يسلم أبو الدحداح، وَقَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ. فَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - وَالثَّعْلَبِيُّ - أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وُجُوهٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: ( {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} (?) ، وَقَالَ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (?) . فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَتْقَى الْأُمَّةِ دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ أَبَا الدَّحْدَاحِ وَنَحْوَهُ أَفْضَلُ وَأَكْرَمُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْأَتْقَى هُوَ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ أَتْقَاهُمْ، كَانَ هَذَا أَفْضَلُ النَّاسِ. وَالْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ الخلق أبو بكر، وقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015