اللُّقَطَةِ، بَلْ هَذَا أَعْرَفُ لِأَنَّ هَذَا يُمْكِنُ تَرْتِيبُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْمُلْكِ وَالنَّسَبُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا في الْمُنْتَظَرُ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ يُنْتَفَعُ بِهِ في الإمامة، فإن معرفة الإمام التي تخرج الْإِنْسَانَ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، هِيَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا طَاعَةٌ وَجَمَاعَةٌ، خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ يَجْمَعُهُمْ، وَلَا جَمَاعَةٌ تَعْصِمُهُمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ محمدا صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَدَاهُمْ بِهِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وهذا المنتظر لا يَحْصُلُ بِمَعْرِفَتِهِ طَاعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، فَلَمْ يُعْرَفْ معرفة تخرج الإنسان من الْجَاهِلِيَّةِ، بَلِ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ جَاهِلِيَّةً، وأشبههم بالجاهلية، إن لَمْ يَدْخُلُوا فِي طَاعَةِ غَيْرِهِمْ

إِمَّا طَاعَةِ كافر أو طَاعَةِ مُسْلِمٍ، هُوَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَوِ النَّوَاصِبِ لَمْ يَنْتَظِمْ لَهُمْ مَصْلَحَةٌ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ، وافتراقهم وخروجهم عن الطاعة وهذا يبينه.

(الوجه التاسع) : وهو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْجُودِينَ، الْمَعْلُومِينَ الَّذِينَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَقْدِرُونَ بِهِ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ، لَا بِطَاعَةِ مَعْدُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ، وَلَا مَنْ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَافِ، وَنَهَى عَنِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ مُطْلَقًا، بَلْ أمر بطاعتهم في طاعة اللَّهِ دُونَ مَعْصِيَتِهِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَيْسُوا معصومين.

فَإِنْ قَالَ أَنَا أَرَدْتُ بِقَوْلِي إِنَّهَا أَهَمُّ المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين الَّتِي تَنَازَعَتِ الْأُمَّةُ فِيهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامَةِ. قِيلَ لَهُ فَلَا لَفْظٌ فَصِيحٌ، وَلَا مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ مَا ذَكَرْتَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، بَلْ مَفْهُومُ اللَّفْظِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ مُطْلَقًا، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَكَ، فَهُوَ مَعْنًى بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَنَازَعُوا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَسَائِلَ أَشْرَفَ مِنْ هَذِهِ.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْأَشْرَفَ، فَالَّذِي ذَكَرْتَهُ فيها أبطل المذاهب، وأفسد الطالب، وَذَلِكَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْإِمَامَةِ لَمْ يَظْهَرْ إلا في خلافة علي.

وَأَمَّا عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ نزاع، إلا ما جرى يوم السقيفة، وَمَا انْفَصَلُوا حَتَّى اتَّفَقُوا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ نِزَاعًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النِّزَاعَ فِيهَا كان عقب موت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015