والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بإسناد وَبَيَانِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ لَمْ يَعْزُهُ إِلَى كِتَابٍ عَلَى عَادَتِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: ((رَوَاهُ الْجُمْهُورُ)) فَكَذِبٌ، فَلَيْسَ هَذَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَعْرُوفَةِ: لَا الصحاح، ولا المسانيد، وَلَا السُّنَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ رَوَاهُ بَعْضُ حَاطِبِي اللَّيْلِ كَمَا يُروى أَمْثَالُهُ، فعِلْم مِثْلِ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا الْكَذِبَ، وَأَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَا نَعْلَمُ. وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (?) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي كِتَابٍ يُعْتَمَدُ عليه: لا الصحاح، ولا السنن، ولا المسانيد الْمَقْبُولَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ قَائِلَ هَذَا كَاذِبٌ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَذِبِ. وَذَلِكَ أَنَّ سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ هُوَ سَيِّدُهُمُ بَعْدَهُ.
قِيلَ: لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، بَلْ هُوَ مُنَاقِضٌ لهذا، لأن أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّقِينَ الْمُحَجَّلِينَ هُمُ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى
عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيد ولا إمام ولا قائد ولا غيره، فكيف يخبر عن شيء لَمْ يَحْضُرْ، وَيُتْرَكُ الْخَبَرُ عَمَّا هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَهُوَ حُكْمُهُمْ فِي الْحَالِ؟
ثُمَّ الْقَائِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ يَقُودُ عَلِيٌّ؟
وَأَيْضًا فَعِنْدَ الشِّيعَةِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الْمُحَجَّلِينَ كُفَّارٌ أَوْ فُسَّاقٌ، فلمن يقود؟
ثُمَّ كَوْنُ عَلِيٍّ سَيِّدَهُمْ وَإِمَامَهُمْ وَقَائِدَهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يُعلم بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَفْضِيلًا بيِّناً ظَاهِرًا عَرَفَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، حَتَّى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْهُ ذلك.