هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم يُرِدْ أَنَّهُمَا مِثْلُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنَ الشِّدَّةِ فِي اللَّهِ وَاللِّينِ فِي اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ هُنَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ اسْتِخْلَافُهُ فِي مَغِيبِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ. وَهَذَا الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، بَلْ وَلَا هُوَ مِثْلُ اسْتِخْلَافَاتِهِ، فَضْلًا عَنْ أن يكون أفضل منها.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ لِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، فَلَا يُحتج بِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ. فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا خصَّ عَلِيًّا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ يَبْكِي وَيَشْتَكِي تَخْلِيفَهُ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَمَنِ اسْتَخْلَفَهُ سِوَى عَلِيٍّ، لَمَّا لَمْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ نَقْصًا، لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ. وَالتَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ إِذَا كَانَ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي
ذَاكَ لَمْ يَقْتَضِ الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ إِلَّا فِي النُّبُوَّةِ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: ((أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هارون من موسى؟)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرْضِيهِ بِذَلِكَ وَيُطَيِّبُ قَلْبَهُ لِمَا تَوَهَّمَ مِنْ وَهَنِ الِاسْتِخْلَافِ وَنَقْصِ دَرَجَتِهِ، فَقَالَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْجَبْرِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: ((بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى)) أَيْ مِثْلُ مَنْزِلَةِ هَارُونَ، فَإِنَّ نَفْسَ مَنْزِلَتِهِ مِنْ مُوسَى بِعَيْنِهَا لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ مَا يُشَابِهُهَا، فَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: هَذَا مِثْلُ هَذَا، وقوله عن أبي بكر: مَثَلُهُ مَثَلُ نُوحٍ وَمُوسَى.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا كَانَ عَامَ تَبُوكَ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَيْهِ،