لَكِنَّ حَدِيثَ الْمُوَالَاةِ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ)) (?) . وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: ((اللَّهُمَّ والِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ... )) الخ، فلاريب أنه كَذِبٌ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَنْتَ أَوْلى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، كَذِبٌ أَيْضًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((مَنْ كُنْتُ مولاه فعليّ مولاه)) فليس فِي الصِّحَاحِ، لَكِنْ هُوَ مِمَّا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي صِحَّتِهِ، فنُقل عَنِ الْبُخَارِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إنهم طعنوا فيه وضعَّفوه، ونُقل عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ حسَّنه كَمَا حسَّنه التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ صنَّف أَبُو العباس بن عُقْدَة مصنَّفا في جمع طرقه.

وَنَحْنُ نَجِيبُ بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ فَنَقُولُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ فَلَمْ يُرِدْ بِهِ قَطْعًا الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ، إِذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَمِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ العظيم يجب أن يبلَّغ بلاغا مبينا.

وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخِلَافَةُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلَى كَالْوَلِيِّ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (?) ،

وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (?) فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّسُولَ وليَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ أَيْضًا، كَمَا بَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وأنهم أولياؤه، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.

فَالْمُوَالَاةُ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ، وَهِيَ تَثْبُتُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَوَالِيَيْنِ أَعْظَمَ قَدْرًا، وَوِلَايَتُهُ إِحْسَانٌ وَتَفَضُّلٌ، وَوِلَايَةُ الْآخَرِ طَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه.

وَهُوَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَوْلَاهُمْ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْنَى كَوْنِ اللَّهِ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ، وَكَوْنِ الرَّسُولِ وَلِيَّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ، وَكَوْنِ عَلِيٍّ مَوْلَاهُمْ، هِيَ الْمُوَالَاةُ التي هي ضد المعاداة.

وَالْمُؤْمِنُونَ يَتَوَلَّوْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْمُوَالَاةَ الْمُضَادَّةَ لِلْمُعَادَاةِ، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015