فَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ الْهُرْمُزَانَ كَانَ مَوْلَى عَلِيٍّ)) .
فَمِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ، فَإِنَّ الْهُرْمُزَانَ كَانَ مِنَ الْفُرْسِ الَّذِينَ اسْتَنَابَهُمْ كِسْرَى عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ وقَدِموا بِهِ عَلَى عُمَرَ، فأظهر الإسلام، فمنّ عليه عمر وأعتقه، وَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ الَّذِي قَتَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ الْكَافِرُ الْمَجُوسِيُّ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْهُرْمُزَانِ مُجَانَسَةٌ، وذُكر لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رُؤِيَ عِنْدَ الْهُرْمُزَانِ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ، فَكَانَ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قُتل عُمَرُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَقْتُلَهُمْ. فَقَالَ: ((كَذَبْتَ، أَمَّا بَعْدَ إِذْ تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وصلُّوا إِلَى قِبْلَتِكُمْ)) (?) .
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَفْقَهُ من عُبَيْد الله وأَدْيَن وأفْضَل بِكَثِيرٍ يَسْتَأْذِنُ عُمَرَ فِي قَتْلِ عُلُوجِ الْفُرْسِ مُطْلَقًا الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، لَمَّا اتَّهَمُوهُمْ بِالْفَسَادِ اعْتَقَدَ جَوَازَ مِثْلِ هَذَا، فَكَيْفَ لا يعتقد عبيد اللَّهِ جَوَازَ قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ؟ فَلَمَّا اسْتَشَارَ عُثْمَانُ النَّاسَ فِي قَتْلِهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنَّ أَبَاهُ قُتِلَ بِالْأَمْسِ ويُقتل هُوَ الْيَوْمَ، فَيَكُونُ فِي هَذَا فَسَادٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَأَنَّهُمْ وَقَعَتْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي عِصْمَةِ الْهُرْمُزَانِ، وَهَلْ كَانَ مِنَ الصَّائِلِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الدَّفْعَ؟ أَوْ مِنَ الْمُشَارِكِينَ في قتل عمر الذين يستحقون القتل؟
وَإِذَا كَانَ قَتْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِنْ بَابِ الْمُحَارَبَةِ، فَالْمُحَارَبَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَعَلَى هَذَا مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ، وَلَوْ بِكَلَامٍ، وَجَبَ قَتْلُهُ، وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ مِمَّنْ ذُكر عَنْهُ أَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ قَتْلُهُ وَاجِبًا، وَلَكِنْ كَانَ قَتْلُهُ إِلَى الْأَئِمَّةِ، فَافْتَاتَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِقَتْلِهِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنِ افْتَاتَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ يُرِيدُ قَتْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. فَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ قَدْحًا فِي عَلِيٍّ. وَالرَّافِضَةُ لَا عُقُولَ لَهُمْ، يمدحون بما هو إلى الذم أقرب.
ثُمَّ يُقَالُ: يَا لَيْتَ شِعْرِي مَتَى عَزَمَ عليٌّ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ وَمَتَى تَمَكَّنَ عليّ من قتل عبيد