وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَعَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ.

فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ)) (?) . فَنَفَى الْوُجُوبَ فِيمَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَ صَاحِبِهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا أَمْ لَا.

وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ: الْكَنْزُ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ حقوقه.

وَكَانَ أَبُو ذَرٌّ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ يُوجِبِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيَذُمُّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يَذُمُّهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي ذَلِكَ، مُثَابٌ عَلَى طَاعَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَسَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَمْثَالِهِ.

فكان اعتزاز أبي در لِهَذَا السَّبَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لِعُثْمَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ غَرَضٌ مِنَ الْأَغْرَاضِ.

وَأَمَّا كَوْنُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ، فَذَاكَ لَا يُوجِبُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ غَيْرِهِ، بَلْ كَانَ أَبُو ذَرٍّ مُؤْمِنًا ضَعِيفًا. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي. لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ. وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يتيم)) (?) .

وقد ثبت فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)) (?) .

وَأَهْلُ الشُّورَى مُؤْمِنُونَ أَقْوِيَاءُ، وَأَبُو ذر وأمثاله مؤمنون ضعفاء. فَالْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، كَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَفْضَلُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَمْثَالِهِ.

وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِضِيُّ ضَعِيفٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ يقوم به.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ ضَيَّعَ حُدُودَ اللَّهِ، فَلَمْ يقتل عبيد الله بن عمر حين قتل الْهُرْمُزَانَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَطْلُبُ عُبَيْدَ اللَّهِ لِإِقَامَةِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ، فَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ. وَأَرَادَ أَنْ يُعَطِّلَ حَدَّ الشُّرْبِ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، حَتَّى حَدَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ: لَا تُبْطَلُ حُدُودُ اللَّهِ وأنا حاضر)) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015