فصل
[البدع الإضافية]
قَدْ يَكُونُ أَصْلُ الْعَمَلِ مَشْرُوعًا وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ جارياً مجرى البدعة من باب الذرائع، وبيانُه أنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ -مَثَلًا- فَيَعْمَلُ بِهِ الْعَامِلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ عَلَى وَضْعِهِ الأوَّل مِنَ النَّدْبِيَّةِ فَلَوِ اقْتَصَرَ الْعَامِلُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَيَجْرِي مَجْرَاهُ إِذَا دَامَ عَلَيْهِ فِي خاصيَّته غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ دَائِمًا، بَلْ إِذَا أَظْهَرَهُ لَمْ يُظْهِرْهُ عَلَى حُكْمِ الْمُلْتَزَمَاتِ مِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالْفَرَائِضِ اللَّوَازِمِ، فَهَذَا صَحِيحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَأَصْلُهُ ندبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِخْفَاءِ النَّوَافِلِ وَالْعَمَلِ بِهَا فِي الْبُيُوتِ، وَقَوْلُهُ: ((أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ)) (?) فَاقْتَصَرَ فِي الْإِظْهَارِ عَلَى الْمَكْتُوبَاتِ - كَمَا تَرَى - وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ في مسجد بيت المقدس، حتى قَالُوا: إنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي أَحَدِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِمَا اقْتَضَاهُ ظاهرُ الْحَدِيثِ، وَجَرَى مَجْرَى الْفَرَائِضِ فِي الْإِظْهَارِ [بعض] السُّنَنُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَبَقِيَ ما سوى ذلك حكمه الإخفاء، فإذا اجتمع في النافلة أنْ تُلتزم التزام السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ إمَّا دَائِمًا وإمَّا فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ وَعَلَى وَجْهٍ مَحْدُودٍ، وأُقيمت فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقام فِيهَا الْفَرَائِضُ، أَوِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَذَلِكَ ابْتِدَاعٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَا عَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فعلُ هَذَا الْمَجْمُوعِ هَكَذَا مَجْمُوعًا، وَإِنْ أَتَى مطلقاً من غير تلك التقييدات، فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بِدَلِيلِ الشَّرْعِ تَقْيِيدَهَا رأيٌ فِي التَّشْرِيعِ، فَكَيْفَ إذا عارضه الدليل، وهو الأمر بإخفاء