وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ هُنَا أنَّ كلَّ مُبْتَدِعٍ آثِمٌ وَلَوْ فُرض عَامِلًا بِالْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ - إِنْ ثَبَتَ فِيهَا كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ - لأنَّه إمَّا مُسْتَنْبِطٌ لَهَا فَاسْتِنْبَاطُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ جَائِزٍ، وإمَّا نَائِبٌ عَنْ صَاحِبِهَا مُنَاضِلٌ عَنْهُ فِيهَا بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى المُستنبط الأوَّل لَهَا، فَهُوَ آثِمٌ عَلَى كلِّ تَقْدِيرٍ.
فصل
[أقسام المنسوبين إلى البدعة]
لَا يَخْلُو الْمَنْسُوبُ إِلَى الْبِدْعَةِ أنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِيهَا أَوْ مقلِّداً، وَالْمُقَلِّدُ إمَّا مُقَلِّدٌ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي زَعَمَهُ الْمُجْتَهِدُ دَلِيلًا وَالْأَخْذُ فِيهِ بِالنَّظَرِ، وإمَّا مُقَلِّدٌ لَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ كَالْعَامِّيِّ الصِّرْف؛ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أقسام:
فالقسم الأوَّل [أنْ يكون مجتهداً في البدعة] على ضربين:
1- أنْ يَصِحَّ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا، فَالِابْتِدَاعُ مِنْهُ لَا يَقَعُ إِلَّا فَلْتَةً وبالعَرَض لَا بِالذَّاتِ، وإنَّما تُسمى غَلْطَةً أَوْ زَلَّةً لأنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَقْصِدْ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ ابتغاءَ الْفِتْنَةِ وابتغاءَ تأْويل الْكِتَابِ، أَيْ لَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ وَلَا جَعَلَهُ عمدة، والدليل عليه أنَّه ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ أَذْعَنَ لَهُ وأقرَّ بِهِ.
2- وأمَّا إنْ لم يصح أنَّه مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ الْحَرِيُّ بِاسْتِنْبَاطِ مَا خالف الشرع، إِذْ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِقَوَاعِدِ الشرع، الهوى الباعث عليه في الأصل.
فكيف إذا انضاف إليه الهوى، وَانْضَافَ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ دَلِيلٌ -فِي ظَنِّهِ- شَرْعِيٌّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَيَتَمَكَّنُ الْهَوَى مِنْ قَلْبِهِ تَمَكُّنًا لَا يُمْكِنُ فِي الْعَادَةِ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ، وَجَرَى مِنْهُ مَجْرَى الكَلَب من صاحبه، فهذا