بَابُ مَنْ صَلَّى جَالِسًا عَلَى دُكَّانٍ مُدَلِّيًا رِجْلَيْهِ «كَانَ لِأَبِي بَرْزَةَ دُكَّانٌ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُدَلِّي رِجْلَيْهِ وَيُصَلِّي» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَأَمَّا مَنِ اخْتَارَ أَنْ يَجْلِسَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ كَجُلُوسِهِ لِلتَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَدْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّفَقَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَرَادَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنْ يَجْلِسَ لِلْقِرَاءَةِ فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ اخْتَارَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ جُلُوسَهُ لِلْقِرَاءَةِ كَجُلُوسِهِ لِلتَّشَهُّدِ أَوْ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ تَمْثِيلًا بِالْجُلُوسِ الَّذِي قَدْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْبِيهًا بِهِ، إِذْ وَجَدَ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا. وَذَهَبَ أَيْضًا إِلَى أَنَّ هَذِهِ جِلْسَةُ تَوَاضُعٍ وَتَذَلُّلٍ فَاخْتَارَهَا لِذَلِكَ عَلَى التَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِرِجْلِهِ أَوْ بِوِرْكِهِ عِلَّةٌ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ عَلَيْهَا فَيَجْلِسُ حِينَئِذٍ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُحْتَبِيًا لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ وَأَقْدَرَ عَلَى طُولِ الْجُلُوسِ وَكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ. وَأَمَّا مَنِ اخْتَارَ التَّرَبُّعَ أوَ الِاحْتِبَاءَ فَأَرَاهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلذِّكْرِ أَحْوَالًا مُخْتَلِفَةً، جَعَلَ الْقِرَاءَةَ فِي حَالِ الْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدَ فِي حَالِ الْجُلُوسِ وَالتَّسْبِيحَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَجَعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الذِّكْرِ هَيْئَةً غَيْرَ هَيْئَةِ النَّوْعِ الْآخَرِ، فَلَمَّا أَرَادَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنْ يَقْرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ اخْتَارَ أَنْ يَجْعَلَ لِقِرَاءَتِهِ هَيْئَةً فِي الْجُلُوسِ غَيْرَ هَيْئَةِ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحِ كَمَا كَانَتْ هَيْئَةُ الْمُصَلِّي فِي قِرَاءَتِهِ غَيْرَ هَيْئَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحِ، هَذَا الَّذِي أَرَاهُمْ ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالَّذِي هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْلِسَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ كَجُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ، أَوْ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ التَّرَبُّعُ أَوِ الِاحْتِبَاءُ أَخَفَّ عَلَيْهِ فَيَتَرَبَّعُ أَوْ يَحْتَبِي، وَالِاحْتِبَاءُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّرَبُّعِ لَأَنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا التَّرَبُّعَ وَلَمْ يَأْتِنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَرِهَ الِاحْتِبَاءَ وَحَدِيثُ سِمَاكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَرَبِّعًا فِي الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَهُ مِنْ عُذْرٍ، وَكَذَلِكَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ مِنْ عِلَّةٍ، قُلْتُ: وَذَكَرَ الْآثَارَ الَّتِي فِيهَا التَّرَبُّعُ وَعَلَّلَهَا كُلَّهَا بِضَعْفٍ الرُّوَاةِ