وبعث اللَّه على صحيفتهم الأرضة فلم تترك اسما للَّه إلا لحسته وبقي ما فيها من شرك وظلم وقطيعة وأطلع اللَّه رسوله على الذي صنع بصحيفتهم. فذكر ذلك لعمه. فقال لا، والثواقب ما كذبتني. فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب، حتى أتى المسجد وهو حافل في قريش. فلما رأوهم ظنوا أنهم خرجوا من شدة الحصار وأتوا ليعطوهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - فتكلم أبو طالب. فقال قد حدث أمر. لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحا. فأتوا بصحيفتكم - وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها، فلا يأتون بها - فأتوا بها معجبين. لا يشكون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - مدفوع إليهم قالوا: قد آن لكم أن تفيئوا وترجعوا خطرا لهلكة قومكم.
فقال أبو طالب: لأعطينكم أمرا فيه نصف، إن ابني أخبرني - ولم يكذبني - أن اللَّه عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم وأنه محا كل اسم له فيها، وترك فيها غدركم وقطيعتكم. فإن كان ما قال حقا، فواللَّه لا نسلمه إليكم حتى نموت عن آخرنا. وإن كان الذي يقول باطلا، دفعناه إليكم فقتلتموه. أو استحييتموه. قالوا: قد رضينا. ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر. فقالوا: هذا سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا إلى شر ما هم عليه. فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا - كما تقدم - وقال أبو طالب شعرا يمدح النفر الذين تعاقدوا على نقض الصحيفة. ويمدح النجاشي، منه:
جزى اللَّه رهطا بالحجون تتابعوا ... على ملأ يهدى بحزم ويرشد
أعان عليها كل صقر كأنه ... إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد