فيا لها من عبرة ما أبينها! ومن عظة ما أبلغها! ومن بيان ما أوضحه! لما يظن كثير ممن يدعي اتباع الحق فيمن أحب الحق وأهله، من غير اتباع للحق، لأجل غرض من أغراض الدنيا.
ومما وقع أيضا: قصته صلى الله عليه وسلم معهم - لما قرأ سورة النجم بحضرتهم - فلما وصل إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19 - 20] (?) ألقى الشيطان في تلاوته: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ففرحوا بذلك فرحا شديدا، وتلقاها الصغير والكبير منهم، وقالوا كلاما معناه: هذا الذي نريد، نحن نقر أن الله هو الخالق الرازق، المدبر للأمور، ولكن نريد شفاعتها عنده. فإذا أقر بذلك فليس بيننا وبينه أي خلاف.
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها، فلما بلغ السجدة سجد وسجدوا معه. وشاع الخبر: أنهم صافوه، حتى إن الخبر وصل إلى الصحابة الذين بالحبشة، فركبوا بالبحر راجعين لظنهم أن ذلك صِدْق. فلما ذُكِر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: خاف أن يكون قاله. فخاف من الله خوفا عظيما، حتى أنزل الله عليه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] إلى قوله {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55] (?) .