فمن فهم أن هذه أول آية أرسله الله بها: عرف أنه سبحانه أمره أن ينذر الناس عن الشرك الذي يعتقدون أنه عبادة الأولياء ليقربوهم إلى الله قبل إنذاره عن نكاح الأمهات والبنات. وعرف أن قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أمر بالتوحيد قبل الأمر بالصلاة وغيرها. وعرف قدر الشرك عند الله وقدر التوحيد.
فلما أنذر صلى الله عليه وسلم الناس، استجاب له القليل. وأما الأكثر: فلم يتبعوا ولم ينكروا، حتى بادأهم بالتنفير عن دينهم وبيان نقائصه وعيب آلهتهم. فاشتدت عداوتهم له ولمن تبعه. وعذبوهم عذابًا شديدًا، وأرادوا أن يفتنوهم عن دينهم.
فمن فهم هذا عرف أن الإسلام لا يستقيم إلا بالعداوة لمن تركه وعيب دينه، وإلا لو كان لأولئك المعذَّبين رخصة لفعلوا (?) .
وجرى بينه وبينهم ما يطول وصفه. وقص الله سبحانه بعضه في كتابه.
ومن أشهر ذلك: قصة عمه أبي طالب لما حماه بنفسه وماله وعياله وعشيرته. وقاسى في ذلك الشدائد العظيمة. وصبر عليها، ومع ذلك كان مصدقًا له، مادحا لدينه، محبا لمن اتبعه، معاديًا لمن عاداه، لكن لم يدخل فيه. ولم يتبرأ من دين آبائه، واعتذر عن ذلك بأنه لا يرضى بمسبة آبائه. ولولا ذلك لاتبعه. ولما مات - وأراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار له - أنزل الله عليه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] (?) .