وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما صدر من الحج سنة عشر - وقدم المدينة: أقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة. فبعث المصدقين في العرب.
نفع الله طيئا بعدي بن حاتم فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختلفوا. فمنهم من رجع. ومنهم من أدى إلى أبي بكر، منهم عدي بن حاتم، كانت عنده إبل عظيمة من صدقات قومه. فلما ارتد من ارتد وارتدت بنو أسد - وهم جيرانهم - اجتمعت طيئ إلى عدي. فقالوا: إن هذا الرجل قد مات، وقد انتقض الناس بعده، وقبض كل قوم ما كان في أيديهم من صدقاتهم، فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس.
فقال: ألم تعطوا العهد طائعين غير مكرهين؟
قالوا: بلى، ولكن حدث ما ترى، وقد ترى ما صنع الناس.
فقال: والذي نفس عدي بيده، لا أخيس بها أبدا. فإن أبيتم، فوالله لأقاتلنكم. فليكونن أول قتيل يقتل على وفاء ذمته عدي بن حاتم، أو يسلمها. فلا تطمعوا أن يسب حاتم في قبره، وعدي ابنه من بعده. فلا يدعونكم غدر غادر إلى أن تغدروا. فإن للشيطان قادة عند موت كل نبي يستخف بها أهل الجهل، حتى يحملهم على قلائص الفتنة. وإنما هي عجاجة لا ثبات لها، ولا ثبات فيها. إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة من بعده يلي هذا الأمر. وإن لدين الله أقواما سينهضون به ويقومون، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذؤابتيه في السماء. لئن فعلتم ليقارعنكم عن أموالكم ونسائكم بعد قتل عدي وغدركم، فأي قوم أنتم عند ذلك؟ .
فلما رأوا منه الجد كفوا عنه. وأسلموا له.