ارتدت، قلنا: قاتل بمن معك من ارتد. وقد أصفقت العرب على الارتداد. وقدم على أبي بكر عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب. فدخلوا على رجال من المهاجرين، فقالوا: أنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام. وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن تجعلوا لنا جعلا كفيناكم. فدخل الصحابة على أبي بكر، فعرضوا عليه ذلك. وقالوا: نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها، ويكفيانك من وراءها، حتى يرجع إلينا أسامة وجيشه، ويشتد أمرك، فإنا اليوم قليل في كثير.
فقال أبو بكر: فهل ترون غير ذلك؟ قالوا: لا.
قال: قد علمتم أن من عهد نبيكم إليكم: المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم، ولا نزل به الكتاب عليكم. وأنا رجل منكم، تنظرون فيما أشير به عليكم. وإن الله لن يجمعكم على ضلالة. فتجتمعون على الرشد في ذلك.
فأما أنا: فأرى أن ننبذ إلى عدونا. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وألا ترشون على الإسلام، فنجاهد عدوه كما جاهدهم. والله لو منعوني عقالا، لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه. وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم: فهذا أمر لم يغب عنه عيينة، هو راضيه، ثم جاءوا له. ولو رأوا ذباب السيف، لعادوا إلى ما خرجوا منه، أو أفناهم السيف، فإلى النار. قتلناهم على حق منعوه وكفر اتبعوه. فبان للناس أمرهم.
فقالوا له: أنت أفضلنا رأيا، ورأينا لرأيك تبع.
فأمر أبو بكر رضي الله عنه الناس بالتجهيز، وأجمع على المسير بنفسه.