فصل لما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فتح مكة: اقتضت حكمة الله أن أمسك قلوب هوازن عن الإسلام، لتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح، وليظهر حزبه على الشوكة التي لم يلق المسلمون مثلها. فلا يقاومهم أحد بعد من العرب. وأذاق المسلمين أولا مرارة الكسرة، مع قوة شوكتهم، ليطامن رؤوسا رفعت بالفتح، ولم تدخل حرمه كما دخله رسوله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه، منحنيا على فرسه، حتى إن ذقنه ليكاد يمس قربوس سرجه تواضعا لربه. وليبين سبحانه - لمن قال: " لن نغلب اليوم عن قلة " - إن النصر إنما هو من عنده سبحانه، وأن من يخذله فلا ناصر له غيره. وأنه سبحانه الذي تولى نصر دينه، لا كثرتكم. فلما انكسرت قلوبهم، أرسل إليها خلع الجبر مع بريد النصر: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 26] (?) وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إنما تفيض على أهل الانكسار: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] (?) .
غزوة الطائف ولما أراد المسير إلى الطائف - وكانت في شوال سنة ثمان - بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة الدوسي - يهدمه، وأمره أن يستمد قومه يوافيه بالطائف - فخرج سريعا، فهدمه وجعل يحثو النار في وجهه ويقول: -