وقع ابتلاء من الله لقولهم ذلك.
قال ابن إسحاق: ولما وقعت الهزيمة: تكلم رجال من جفاة أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان، لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وصرخ جبلة بن الحنبل: ألا بطل السحر اليوم. فقال له أخوه صفوان بن أمية - وكان بعد مشركا - اسكت، فض الله فاك. فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
وذكر ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان الحجبي. قال: لما كان يوم الفتح قلت: أسير مع قريش إلى هوازن، لعلي أصيب من محمد غرة. فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا تبعه، ما اتبعته أبدا. فلما اختلط الناس، اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف، فدنوت أريد ما أريد، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره. فرفع لي شواظ من نار كالبرق، كاد أن يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه. فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فناداني «يا شيب، ادن " فدنوت، فمسح صدري. ثم قال: " اللهم أعذه من الشيطان» فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي. ثم قال: «ادن، فقاتل» فتقدمت أمامه أضرب بسيفي. الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي. لو لقيت تلك الساعة أبي لأوقعت به السيف. فجعلت ألزمه فيمن لزمه، حتى تراجع الناس، وكروا كرة رجل واحد. وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستوى عليها. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم حتى تفرقوا، في كل وجه. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره، فدخل خباءه. فدخلت عليه، ما دخل عليه غيري، حبا لرؤية وجهه، وسرورا به. فقال: «يا شيب، الذي أراد الله لك، خير من الذي أردت لنفسك» .