وغيرهم. فإنه لو أهلكهم لبادوا، وانقطعت المنفعة بهم ولم يبق لهم ذرية تؤمن بخلاف ما عذبهم به من الإذلال والقهر فإن في ذلك ما يوجب عجزهم والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها، فلا تكاد تنصرف عنها. بخلاف عجزها عنها. فإنه يدعوها إلى التوبة كما قيل من العصمة ألا تقدر ولهذا آمن عامتهم. وقد ذكر اللَّه في التوراة لموسى:
" إني أقسي قلب فرعون. فلا يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي ".
بين أن في ذلك من الحكمة انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض إذ كان موسى أخبر بتكليم اللَّه له وبكتابة التوراة له فأظهر له من الآيات ما يبقى ذكره في الأرض. وكان في ضمن ذلك من تقسية قلب فرعون ما أوجب هلاكه وهلاك قومه. وفرعون كان جاحدا للصانع. فلذلك أوتي موسى من الآيات ما يناسب حاله.
وأما بنو إسرائيل - مع المسيح - فكانوا مقرين بالكتاب الأول. فلم يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى. ولم يكن محتاجا إلى جنس تقرير النبوة إذ كانت الرسل قبله جاءت بما يثبت ذلك. وإنما الحاجة إلى تثبيت نبوته. ومع هذا فقد أظهر اللَّه على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم ومع هذا لم يأت بآيات الاستئصال. بل بين اللَّه في القرآن أنها لا تنفعهم بل تضرهم. لأنه علم أن قلوبهم كقلوب الأولين. كما قال تعالى {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ - أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات: 52 - 53]- الآية (?)