لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض. إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال. كما قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} [القصص: 43] (?) بل كان بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون - من الكفر والمعاصي - يعذب اللَّه بعضهم ويبقي بعضهم إذ كانوا لا يتفقون على الكفر ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح. قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} [الأعراف: 168]- الآية (?) وقال {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]- الآيتين (?) .
وكان من حكمته تعالى ورحمته - لما أرسل محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم - خاتم المرسلين - ألا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين الذين قال اللَّه فيهم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]- الآيات (?) . والذي دعا عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - أن يسلط عليه كلبا من كلابه فافترسه الأسد كما قال تعالى {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ} [التوبة: 52]- الآية (?) . فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود وتارة بغير ذلك.
فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى لقريش