عاد الحديث إلى ما تجدد لنور الدين قال: واتفق أن صاحب منبج ابن حسان ارتكب العصيان إليه من حاصره وانتزعها منه ثم تمكن عنه وتوجه إليها لتهذيب أحوالها وترتيب أعمالها وسار منها إلى قلعة نجم وعبر الفرات إلى الرها وانتظم بأمرها وكان بها قطب الدين ينال بن حسان عم غازي صاحب منبج فنقله إليها مقطعاً ووالياً وأعاد ذلك الصفح بايالته حالياً وأقام بها مدة في قلعتها ومدحته بهذه الكلمة وتحجب لي في عرضها عنده صلاح الدين وتحجب لي في عرضها عنده صلاح الدين قلت ومن هذه الكلمة قوله:
ماصين عنك الصين لو حاولتها ... والمشرقان فكيف منبج والرها
ماللملوك لدى ظهورك رونق ... فاذا بدا شمس الضحى خفى السها
قال: وعدنا إلى حلب في شهر رجب وضربت خيمة نور الدين في رأس الميدان الأخضر، وكان مولعاً بضرب الكرة وربما دخل الظلام فلعب بها بالشموع ويركب صلاح الدين مذكراً كل بكرة وهو عارف بآدابها في الخدمة وشروطها المعتبرة. واقطعه في تلك السنة ضيعتين إحداهما من ضياع كفر طاب مدكين والأخرى من ضياع حلب وزردنا وزعم انه بلغ به المنهى في المنى.
قال: ولما كان ثغر حمص اخطر الثغور تعين أسد لدين لحمايته وحفظه ورعايته لتفرده بجده واجتهاده وبأسه وشجاعته فانعم نور الدين عليه بها فسار إليها وضبط أمورها وكان (166ب) نور الدين قد جدد سورها وسأله في السلو عن حب مصر وشرط على نفسه الحمل في كل سنة وكان لما أراد أسد الدين الانفصال عن الديار المصرية وصلاح الدين عن الإسكندرية اجتمع الكامل بن شاور بشهاب الدين محمود خال صلاح الدين وقال له: أوصل إلى نور الدين سلامي وعرفه شغفي بخدمته وغرامي وأنا أتوسط في جمع الكلمة ورد هذه القلوب المتبددة إلى عقود القلوب المنتظمة، والتكفل بما احمله من مالي على وجه الهدية اقصد بها سلامة البلاد والرعية فلما وصل شهاب الدين محمود أعاد على نور الدين مقاله وذكر سؤاله وسأله مكاتبة الكامل والرضا بما التزم به التزام الكافي وكان دخولي إليها يوم الأربعاء ودخلناها يوم الخميس.
من مصر إلى بلاد اليمن مستهل رجب سنة تسع وستين قال كان فخر اليدن اخوة صلاح الدين وقد شاع صيت مروته، وكان لا يفي موجود مصر بجوده ورأى أن حظه من قوص منقوص ولم يرضه ارض تضيق عن سما سماحته فسمت همته وتصممت عزيمته، وكان بمصر شاعر من اليمن يقال له عمارة ولم يزل يمدحه ويكثر فيه المدح ويحثه على ملك اليمن ويرغبه فيه. ولما اشتد عزمه واحضر عسكره ورحل مستهل رجب ووصل السير باليسرى وفلا الفلا وجاز أجوازها وعان بالوصول إلى مكة ثم خلف وراءه غور الأرض ونجدها وحجازها واستدل بسعادته ونحا البيد نحو زبيد فغلب عليها وقبض على عبد النبي الخارجي وسلمه إلى نايبه الأمير سيف الدولة المبارك بن منقذ فرأى أن مصلحة الملك في هلكه فأراده وشمس لدولة غايب، ومضى إلى عدن وفيه ياسر الأمير عز الدين عثمان الزنجيلي واستنابه وفتح القلاع ومنح ملكاً عظيماً وفتح اقليماً وافترع بكراً وخلف ذكرا.
قال: واما سيف الدوية ابو الميمون المبارك بن كامل بن منقذ المستناب في زبيد فانه كان من الكرماء الكفاه وذوي الآراء والدهاة والحمس الكماة ولم يزل بشيمته متكرماً وبحسن الذكر متوسماً دأبه والفضل شرعه والأفضال صنعه ومن شعره.
لما نزلت الدير لصاحبي ... قم فاخطب الصهباء من شماسه
فأي وفي يمناه كأس خلتها ... مقبوسة في الليل من نبراسه
وكأن ما في كأسه في خده ... وكأن ما في خده من كأسه
قال: وفي هذه السنة كان تسيير نور الدين المهذب أبا الحسن على ابن عيسى بن النقاش إلى الديوان العزيز للأعلام بمسير شمس الدولة إلى اليمن لأخذها والبشارة بكسر الروم ثانية وفقدهم كلمان وكان قديماً أسيرا عند نور الدين من نوبة حارم وفداه بخمسة وخمسين ألف دينار وخمسمائة وخمسين ثوب أطلس وهو أسير من أسيرا معه إسراء في الروم وذلك في شعبان سنة تسع وستين.