كتاب فاضلي إلى زين الدين الواعظ في المعنى أوله: لله سبحانه وتعالى الحمد عندنا عوايدهم قد صارت كالأمر المعروف، والواقع المألوف والضياء اللازم للصباح، والعرف المتضوع مع الرياح فلا تستغرب غرايبها وإن كانت بديعة ولا تبهر عجائبها وإن كانت وسيعة وشيعة. وكان الحلبيون والمواصلة قد صاروا بنيانا مرصوصا في الخلاف، وعقدا واحدا في الشقاق والانحراف، وحصروا حماة أياما وهم فيها المحصورون، وأن جندنا جند الله وهم المنصورون ثم ارتحلوا عنها ولم تزل المراسلات تكرر والمعاقدات تنقض بعد أن تقرر إلى أن كان آخر رسا يلهم ما بيننا إلا السيف فرضينا به حكما وأرسلنا حبلهم على غاربهم، وعلمنا أن البغي معترض دون مطالبهم ولما كان يوم الأحد التاسع عشر شهر رمضان ركبنا والعساكر قد انتظمت عقودها والاطلاب قد أطرد مسرودها، والسيوف قد كادت تلفظ غمودها، والرماح ساقها إلى الأوراد ورودها فلما تصافحت أطراف القنا مع النحور ووصلت صدور الرماح إلى الصدور، تخور له الصخور وأنزل الله نصره علينا فلاذوا بالفرار، وذموا عواقب الاغترار، واستولت على أبطالهم حلقات الإسار وحاز العسكر المنصور من القوة والعتاد وآلات الحرب والطراد ما ملئ كل يمين وشمال حتى لم يبق فارس إلا قاد الجنايب ولا راجل إلا سب الراكب بما أستكثر من المراكب وكان المقام كريما واليوم عظيما، وكان هذا الفتح لفتوحنا أميرا وهذا اليوم بما بعده من سعادات الأيام بشيرا، وكتابنا ونحن على أثر المنهزمين سايقون إلى مستقر القرار الذي يسترجون سابقون.
قال ونظمت في هذه الوقعة في مدح ناصر الدين محمد بن شيركوه قصيدة أولها:
وكتيبة مثل الرياض كأنما ... راياتها منشورة أزهار
وكأنما خض البيارق للقنا ... ورق وهامات العداة ثمار
وكمايم الأغمار عن زهر الظبا ... فتقت فكل صقيلة نوار
وعلى شعاع الشمس لمع حديدها ... يبدو كما يعلوا الجبين نضار
عبيتها بعزيمة مشفوعة بالنصر ... منك تعينها الأقدار
ومنها:
أهلا بجلق والعراق مراقبوا ... حالي وطرف رجائهم نظار
وقطعت أبواب الملوك إليكم ... ليكون منك إلى النجاح بدار
بادرت نحوك بالرجاء مؤملا ... والصفو تهجر دونه الأكدار
قال: فنزل السلطان قرأ حصار بنية الحصار فجاءت رسلهم بالاقتياد وأجابوا إلى المراد وقالوا: اقتنعوا بما أخذتموه إلى حماه ولا تشمتوا بنا العداة فاسترد عليهم كفر طاب والمعرة على أنا لا نسومهم المضرة والمعرة واستوفينا عليهم الإيمان المستقرة وأحضرني السلطان في ذلك اليوم لتحرير نسخة اليمين ورآني الحلبيون اللذين فارقتهم أني إلى جانب السلطان جالس وبأمره مستأنس فنظروا شزرا وعظموا ما ظنوه نزرا فما وقف السلطان في عرض ولا شاب صحة قولة بمرض وسألهم في المعتقلين أخوة مجد الدين فأجابوا وفرجوا عنهم وتم الصلح وعم النجح ورحلنا ظافرين ظاهرين ونزلنا بحماة يوم الاثنين ثاني عشر شوال وهناك التقينا العصا فما استقرت بنا النوى ونوينا إلى حصار بعرين.
قال: ولما وصل السلطان إلى حماة تلقاه رسل دار الخلافة بالتشريفات السنية والأمثلة الرضية والجنايب العربية والتحف الأمامية والتقليد والتمليك والتحكيم والتفويض فأفاضوا على السلطان وأقاربه الخلع واتبعوا في التشيع به الأتباع والشيع ولبس الأهبة السوداء كأنه بدر التمام تجلى أنواره في الظلام، وكأنه إنسان عين الإسلام نظر من سوادها، وصحيفة السعادة تلألأت إمدادها من مدادها، وركب ولواء الحمد فوقه خافق والمركب الخاص تحته سابق وأفيض على ناصر الدين محمد بن شيركوه بن عم السلطان تشريف مقارب للتشريف السلطاني منير منيف وخص من الديوان العزيز بالتفضيل والتمييز.