وكان في آخر عهد نور الدن فغلب عليه وهو أكر خواصه وخلصه بمبلغ مائة وخمسين ألف دينار، وفكاك ألف أسير اتفق هلاك ملك الفرنج في أول هذه السنة فتكفل بالملك بين يدي ولده المجذوم فلما نزل السلطان على حلب وجد فيما طلب كاتب الحلبية الحشيشيه فجرى منهم ما ذكروا ثم كاتبوا القومص بطرابلس وقالوا له أنت طليقنا، وكنت رفيقنا في الأسر والآن أنت عتيقنا وحقنا عليك متعين وبرهان ذلك فجاء الخبر بتوجه القومص في الإفرنجية إلى حمص فرحل عن حلب مستهل شهر رجب فرجع الملعون ناكصا على عقبيه خوفا مما يقع فيه ويتم.

وأقام السلطان على قلعة حمص شهرا، وقد أستشهد من الجانبين عدة وجرت شدة والسلطان مقيم في بيت في أعلى المدرسة يشاهد منه الحرب حتى هاجم رجالة يوما باب القلعة وهجم عليها الرجال من فوق فقبضهم أهل القلعة ثم راسلوا السلطان في طلب الأمان فهاب لأجل الرجال المقبوضين عليهم فأعطاهم الأمان، وسلموا الحصن وسلموا وتجاوز عما أجرموا ثم نهد إلى بعلبك وفيها خادم يعرف بيمن فسلم الموضع بسلم وهدنه وذلك يوم السبت رابع شهر من رمضان.

قال: ووجدت كتابا عن السلطان إلى أخيه الإسلام وهو بدمشق يبشره بفتح قلعة بعلبك وهو بالمثال الفاضلى ومنه: نحن نبشر الأخ أدام الله طروق البشاير سمعة ونزول المسار ربعه بفتح قلعة بعلبك بالسلم الذي أغمدت فيه السيوف وقرت به من الأولياء العيون ورغمت من الأعداء الأنوف وكتابنا هذا إله وسنجقنا فوق قلعتها مستقل، ومعتمدنا من أعلى شرفاتها مطل، فالحمد لله الذي قرب كل بعيد وسهل كل شديد وجعلنا حيثما كنا مقصودين بعادات نصره محفوظين بمعقبات أمره، والأخ يضرب نوبة البشارة ويظهر اثر موهبتها السارة ليزيد الله العدو هوانا ويعلم كل من حالف سلطاننا أن الله لم يجعل له سلطاناً.

قال رحمه الله في ذكر ما آل إليه أمره وهو بالموصل: قال فوصل نجاب وذكر أنه فارق صلاح الدين بالكسوة فهاجنى الطرب لقصده لسابق معرفته، وقديم وده، وخرجت من الموصل رابع جمادى الأولى وعبرت الخابور في مخاضه المجدل وجئت إلى الرقة ودخلت إلى دمشق في ثامن من جمادى الآخر، وصلاح الدين نازل على حلب، فنزلت في مدرستي، وعدت إلى منزلي، وألغيتها وفيها مدرس يتولاها وقالوا أن العماد خلاها. فدخلت إليها وأخرجته وأبعدته عن النهج الذي نهجه وكنت في غبر ألمى وعقاييله أرتقب اعتدال مزاجي، فأقمت حتى استقمت وصبرت إلى أن عاد السلطان إلى حمص وانتظرت طيب الزمان ومطاوعة الإمكان، وقصدت السلطان وقد تسلم قلعتها في شعبان قال وهنأته في فتح بعلبك بأبيات منها

(179ب) فتح تسنا في الصيام كأنما ... شكرا لما منح الأنام صيام

من ذا رأى في الصوم عيد ... سعادة حلت لنا والفطر فيه حرام

باليمين هذا الشهر مشهور ... كما قد عم بالبركات هذا العام

قال: ولزمت خدمته أرحل برحيله وأنزل بنزوله، وأواصل حضرته وأنشده شعري وأقول ليت شعري إلى ما يؤول أمري. أحضر في كل وقت على سبيل المجالسة ونهج الموانسه لا أمت بمعرفة ولا انبس ببنت شفة ولمى كثر ترددي إليه وتوددي وتصبري على العطلة وتجلدي اقترحت على قرائحي الإكثار للسلطان من مدايحي، واحتجت إلى أحياء الموات والأذكار بسابق الحرمات فهام به الفهم وكثر فيه النظم إلى أن دخلت في خدمته وصرت كاتب حضرته فشغلني إنشاء الرسايل عن إنشاء المدايح، فغلب النثر وقل النظم ولو ذكرت مدايحي في هذه السنة لكبر حجم الكتاب وخرج عن حد الإسهاب.

قال: وكنت ليلة عند السلطان وهو يذكر جماعة من الشعراء وعنده ديوان الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ، وهو به مشغوف وقد أستحسن قصيدة له طائيه ولو عاش السلطان لأقر بفضلها فنظمت في مدح السلطان كلمة أولها:

عفا الله عنكم مالكم أيها الرهط ... قسطتم وفي قلب المحب لكم أقسط

شرطم له حفظ الوداد وخنتم ... حنانيكم ما هكذا العهد والشرط

ذكر الوقعة الأولى مع المواصلة والحلبيين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015