قال: وكنت يوماً عند نور الدين في ناديه وهو مقبل على بأياديه ويسألني عن الديوان العزيز ورسومه ثم قال: وأنت تمضي في الرسالة إلى منزل الجلالة وتهنئ الإمامة والوزارة وهناك الشيخ شرف الدين بن أبي عصرون جالس وهو في الزاوية كالس ووجهه لما يشكوه من المرض عابس وكأنه متحيد عن نور الدين وقربه متفقد رأسه في عبه فلما سمع حديث بغداد رفع رأسه وحولق واستعاذ وأبل واستقل واعترض واستدل وانقلب وما به قلبه وتكلم وكلماته مهذبة وثاب ما معناه: أنا للقيام بالرسالة وإقامة الدلالة والنصرة والأدلة وجلا الجلالة فقلنا: هو شيخنا وكبيرنا وهو الأولى فليعتمد عليه المولى وليس لهذا المقام مثله ولا دراك هذه الفضيلة إلا فضله وإذا وضح الأمام المذهب إلى الإمام فقد تسدى مرامي المرام. واستقر أن يسير رسولاً يستقبل اقبالاً وقبولا. قال وعلقت أنا على شغلى من الانتشاء وحررت أجوبة الكتب الواصلة مع الرسل للهناء ونظمت هذه الأبيات وخدمت بها الفرض الإشراف قلت ومنها:
قد أضاء الزمان بالمستضيء ... وارث البرد وابن عم النبئ
جاء بالعدل والشريعة والحق ... فيا مرحبا بهذا المجيئ
فهنيئاً لأهل بغداد فازوا=بعد بؤس بكل عيش هنئ قال: ولما وصل الرسل إلى مدينة السلام وعرض التهنئة التي نظمتها تاج الدين أخي المقيم بها وسير لي تشريف بأهبة أمامية ومبلغ مائة دينار أميرية وصار التشريف والذهب مع تشريف أخي أنعاماً مستمراً وإدراراً استمر لاستقبال سنة ست وستين وأمضاه الأمام الناصر لدين الله في أيامه في كل سنة.
قال: ووصل هذا الإنعام بحلب في شعبان من هذه السنة فنظمت هذه الكلمة وأرسلتها إلى أخي تاج الدين ليعرضها وأولها:
هل عايد زمن الوصال المنقضي ... أم عايد لي في الصبابة ممرضى
لا اشتكى إلا الغرام فإنه بلوى ... على من السماء بها قضى
(1173) لهفى على زمن الشباب فإنني ... بسوى التأسف عنه لم أتعرض
ومنها:
يا حسن أيام الصبى وكأنها ... أيام مولانا الأمام المستضي
قسم السعادة والشقاوة ربنا ... في الخلق بين محبه والمبغض
أصفى ظلام العدل بعد تقلص ... وبنى أساس العدل بعد تقوض
قال وقد عرف العالمون أنني من إنشاء الدولة الأمامية واحد تابعيها وما عشت إلا بعيشها ولا درجت إلا من عشها وأنا إلى الآن في محاسنها وميامنها.
قال: في ذكر صديق له ببغداد يقال له علم الدين على بن إسماعيل الزكاندار هذا الصديق كان ببغداد لي مصادقاً وفي حبي صادقاً، وقد جمعنا الفضل وانتظم بالموانسة بيت الشمل. وكنا متصاحبين ليلاً ونهاراً ومتصافيين سراً وجهارا فلما سافرت إلى الشام وحالت بيننا دواعي البين وعوادي الأيام شق عليه التفرق وأوحشه وعدم الورد الذي اعتاد رويا عطشه وتوالت إلى كتبه وبعث خاطري على اعتياب عتبة فمن الرباعيات التي صدرت بها الكتب إليه:
ما اخحلني وقد أتتني الكتب ... تشكوا وتقول أنهم قد عتبوا
هم أهل مودتي رضوا غضبوا ... ما أعظم زلتي إذا لم يهبوا
ومنها:
هبتى سحراً فنهبت وسواسى ... نشوي خطرت عليلة الأنفاس
أهدت أريج الرجاء بعد اليأس ... ما أطيب بعد وحشتي إيناس
قال: ومن المقطوعات التي كنت أواصل بها ذلك الصديق:
جامع الشمل بعد طول الفراق ... للمحبين كافل بالتلاقي
ولعل الأيام تسمح بالوصل ... وتقضى لبانه المشتاق
يا إخلائي الكرام المضاهين ... بطيب العروق طيب العراق
ومنها:
يا صبورا على الصبابة بعدى ... لك طول البقاء ما أنا باق
فأجرني من النوى بالتلاقي ... وأرث لي لا لقيت ما أنا لاق