لَمَّا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا من مكة بلغهم أن ذلك كان باطلا، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيا، وكان مِمَّنْ قَدِمَ مِنْهُمْ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَشَهِدَ بَدْرًا - وَأُحُدًا، فَذَكَرَ مِنْهُمْ ابن مسعود. وحديث زيد بن أرقم أجيب عنه بجوابين: أحدهما: أن النهي ثَبَتَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ أُذِنَ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ نهي عنه. الثاني: أن زيدا مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَلَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ، فلما بلغهم انتهوا. ثُمَّ اشْتَدَّ الْبَلَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ قدم من الحبشة وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم، فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية، فكان خروجهم الثاني أشق عليهم، ولقوا من قريش أذى شديدا، وَصَعُبَ عَلَيْهِمْ مَا بَلَغَهُمْ عَنِ النَّجَاشِيِّ مِنْ حسن جواره لهم. فكان عدة من هاجر فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا إِنْ كان عمار بن ياسر فيهم، وَمِنَ النِّسَاءِ تِسْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، قُلْتُ: قَدْ ذكر في هذه الثانية عثمان وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وهما، وإما أن تكون لَهُمْ قَدْمَةٌ أُخْرَى قَبْلَ بَدْرٍ، فَيَكُونُ لَهُمْ ثلاث قدمات؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابن سعد وَغَيْرُهُ: إِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا مُهَاجَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَمِنَ النِّسَاءِ ثمان، فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكَّةَ، وَحُبِسَ بِمَكَّةَ سَبْعَةٌ، وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الهجرة كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية، فأسلم، وقال: لو قدرت أن آتيه لأتيته، وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة، وكانت فيمن هاجر مَعَ زَوْجِهَا عبيد الله بن جحش، فَتَنَصَّرَ هناك، ومات نصرانيا، فَزَوَّجَهُ النَّجَاشِيُّ إِيَّاهَا، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ تَزْوِيجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ مَنْ بقي عنده من أصحابه، ويحملهم، فحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بخيبر، فوجدوه قد فتحها. وَعَلَى هَذَا فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي بَيْنَ حَدِيثِ ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم، ويكون تخريج الكلام بالمدينة، فإن قيل: فما أحسنه لولا أن ابن إسحاق قد قال ما حكيته عنه أن ابن مسعود أقام بمكة. قيل: قد ذكر