المؤمنون بالإيمان، فإذا جاء نصر الله لجنده، قال: إني معكم. والله أعلم بِمَا انْطَوَى عَلَيْهِ صَدْرُهُ مِنَ النِّفَاقِ. وَالْمَقْصُودُ أن الحكمة اقتضت أنه سبحانه لا بد أن يمتحن النفوس، فيظهر طيبها من خبيثها، إِذِ النَّفْسُ فِي الْأَصْلِ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ، وَقَدْ حصل لها بذلك من الخبث ما يحتاج خروجه إلى التصفية، فَإِنْ خَرَجَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَإِلَّا فَفِي كير جهنم، فإذا نقي العبد أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ.
فصل ولما دعا إلى الله، اسْتَجَابَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فكان حائز قصب سبقهم صديق الأمة أبو بكر، فَآزَرَهُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَدَعَا مَعَهُ إِلَى الله، فاستجاب لأبي بكر عثمان وطلحة وسعد. وبادرت إلى الاستجابة صديقة النساء خديجة، وَقَامَتْ بِأَعْبَاءِ الصِّدِّيقِيِّةِ، وَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ خَشِيتُ على نفسي» ، فقالت: أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا. ثُمَّ استدلت بما فيه من الصفات على أن من كان كذلك، لم يخزه الله أبدا، فعلمت بفطرتها وكمال عقلها، أن الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة تناسب كرامة الله وإحسانه، لا تناسب الخزي. وبهذا العقل استحقت أن يرسل إليها ربها السلام منه مع رسوليه جبريل ومحمد عليهما السلام. وَبَادَرَ إِلَى الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وهو ابن ثمان سنين، وقيل أكثر، وَكَانَ فِي كَفَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، أخذه من عمه إِعَانَةً لَهُ فِي سَنَةِ مَحْلٍ. وَبَادَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان غلاما لخديجة، فوهبته له، وجاء أبوه وعمه في فدائه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَدْعُوهُ فَأُخَيِّرُهُ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِنِ اخْتَارَنِي، فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنِ اخْتَارَنِي أَحَدًا، قَالَا: قَدْ رَدَدْتَنَا عَلَى النصف وأحسنت. فدعاه، فخيره، فقال: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا. قالا: وَيْحَكَ يَا زيد، أَتَخْتَارُ الْعُبُودِيَّةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وعلى أهل بيتك؟ قال: نعم؛ لقد رَأَيْتُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا مَا أَنَا بِالَّذِي أَخْتَارُ عَلَيْهِ أَحَدًا أَبَدًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ إِلَى الْحِجْرِ، فَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ زيدا ابني، أرثه ويرثني، فلما رأى ذلك طابت أنفسهما