يستعمل اللفظ الْمَكْرُوهُ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. فمن الأول منعه أن يقال للمنافق: سيد، ومنعه أن يسمى العنب كرما، ومنعه من تَسْمِيَةَ أبي جهل بأبي الحكم، وَكَذَلِكَ تَغْيِيرُهُ لِاسْمِ أبي الحكم مِنَ الصَّحَابَةِ بأبي شريح، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ» ، ومنه نهيه المملوك أن يقول لسيده: ربي، وللسيد أن يقول لمملوكه: عبدي وأمتي. وقال لمن ادعى أنه طبيب: «أنت رَفِيقٌ، وَطَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا» . وَالْجَاهِلُونَ يُسَمُّونَ الْكَافِرَ الَّذِي لَهُ عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّبِيعَةِ: حَكِيمًا، ومنه قوله للذي قال: وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ» . ومنه قَوْلُهُ: «لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فلان» ، وفي معناه قَوْلُ مَنْ لَا يَتَوَقَّى الشِّرْكَ: أَنَا بِاللَّهِ وَبِكَ، وَأَنَا فِي حَسْبِ اللَّهِ وَحَسْبِكَ، وَمَا لِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَأَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى الله وعليك، وهذا من الله ومنك، ووالله وحياتك، وأمثال هذه الألفاظ التي يجعل قائلها المخلوق ندا لله، وَهِيَ أَشَدُّ مَنْعًا وَقُبْحًا مِنْ قَوْلِهِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. فَأَمَّا إِذَا قَالَ: أَنَا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شئت - فلا بأس، كَمَا فِي حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ: «لَا بَلَاغَ لِيَ اليوم إلا بالله ثم بك» . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تُطْلَقَ أَلْفَاظُ الذَّمِّ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَمِثْلُ نهيه عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الدهر» ، وفيه ثلاث مفاسد، أحدها: سب من ليس بأهل. الثانية: أن سبه متضمن للشرك، فإنه ما سبه إلا لظنه أنه يضر وينفع، وأنه ظالم، وأشعار هؤلاء فِي سَبِّهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ يصرح بلعنه. الثالثة: أن السب إنما يقع على فاعل هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ فِيهَا أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، وإذا وافقت أهواءهم حمدوا الدهر، وأثنوا عليه. ومن هذا قوله: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَاظَمُ حتى يكون مثل البيت ويقول: صرعته بقوتي، ولكن ليقل: باسم اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ الشيطان يقول: إنك لتلعن ملعنا» . وهذا قول: أَخْزَى اللَّهُ الشَّيْطَانَ، وَقَبَّحَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ. فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُفْرِحُهُ، وَيَقُولُ: عَلِمَ ابْنُ آدَمَ أني نلته بقوتي. وذلك ما يعينه على إغوائه، فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ: أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ، وَيَذْكُرَ اسْمَهُ، وَيَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ