لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الرَّمْيِ، أَمَّا مَنْ قَدَّمَهُ مِنَ النِّسَاءِ: فَرَمَيْنَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس للعذر، والخوف عليهن من المزاحمة، وَهَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ: جَوَازُ الرَّمْيِ قبل طلوع الشمس لعذر من مرض أو كبر، وَأَمَّا الْقَادِرُ الصَّحِيحُ "، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَالَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ إِنَّمَا هُوَ التَّعْجِيلُ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الْقَمَرِ لَا نِصْفِ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ مع من حده بالنصف دليل.
فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ - لا قبله قطعا - بأذان وإقامة، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى مَوْقِفَهُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَأَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ والتكبير والتهليل والذكر حتى أسفر جدا، ووقف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْقِفِهِ، وَأَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّ مُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ سَارَ مردفا للفضل وهو يلبي في مسيره، وانطلق أسامة عَلَى رِجْلَيْهِ فِي سُبَّاقِ قُرَيْشٍ.
وَفِي طَرِيقِهِ ذَلِكَ أَمَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ يَلْقُطَ لَهُ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَلَمْ يَكْسِرْهَا مِنَ الجبل تلك الليلة، كما يفعله مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، وَلَا الْتَقَطَهَا بِاللَّيْلِ، فالتقط له سبعا من حصى الحذف، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول: «أمثال هَؤُلَاءِ فَارْمُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» فَلَمَا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ نَاقَتَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي نزل بها بأس الله بأعدائه، فإن هناك أصاب أصحاب الفيل ما قص الله، ولذلك سمي وَادِيَ مُحَسِّرٍ، لِأَنَّ الْفِيلَ حُسِرَ فِيهِ، أَيْ: أعيا وَانْقَطَعَ عَنِ الذَّهَابِ إِلَى مَكَّةَ.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ في سلوكه الحجر. ومحسر: برزخ بين منى ومزدلفة، والمشعر الحرام لا من هذه، ولا من هذه، وعرفة: برزخ بين عرفة والمشعر الحرام لَيْسَ مِنْهُمَا، فَمِنًى مِنَ الْحَرَمِ وَهِيَ مَشْعَرٌ، وَمُحَسِّرٌ مِنَ الْحَرَمِ، وَلَيْسَ بِمَشْعَرٍ، وَمُزْدَلِفَةُ: حَرَمٌ ومشعر، وعرفة لَيْسَتْ مَشْعَرًا، وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ، وَعَرَفَةُ حِلٌّ ومشعر.
وسلك الطَّرِيقَ الْوُسْطَى بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى مِنًى، فَأَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَوَقَفَ فِي أَسْفَلِ الْوَادِي، وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْجَمْرَةَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَرَمَاهَا رَاكِبًا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ يُكَبِّرُ مَعَ كل حصاة وحينئذ قطع التلبية وبلال