فيه، فإن الأمر بالجهاد بالمال شقين: الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ بِالنَّفْسِ فِي الْقُرْآنِ وَقَرِينُهُ، بَلْ جَاءَ مُقَدَّمًا عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنه آكد من الجهاد بالنفس، وَإِذَا وَجَبَ الْحَجُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاجِزِ بِالْبَدَنِ، فوجوب الجهاد بالمال أولى.
ومنها ما برز به عثمان من النفقة العظيمة، وَمِنْهَا أَنَّ الْعَاجِزَ بِمَالِهِ لَا يُعذر حَتَّى يبذل جهده، فإنه سبحانه إنما نفى الحرج عن العاجزين بعد أن أتوا رسوله ليحملهم، ثم رجعوا باكين.
وَمِنْهَا اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ إِذَا سَافَرَ رَجُلًا مِنَ الرعية، ويكون مِنَ الْمُجَاهِدِينَ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ لَهُمْ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي بِآبَارِ ثَمُودَ لَا يجوز شربه، ولا الطهارة به، ولا الطبخ به ولا العجين بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْقَى الْبَهَائِمَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ بِئْرِ النَّاقَةِ، وَكَانَتْ مَعْلُومَةً بَاقِيَةً إِلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ عِلْمُ النَّاسِ بِهَا قَرْنًا بعد قرن إلى وقتنا هذا، فلا ترد الركبان بئرا غيرها.
وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ مَرَّ بِدِيَارِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والمعذبين لا ينبغي لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا بَلْ يُسْرِعُ السَّيْرَ، وَيَتَقَنَّعُ بِثَوْبِهِ حَتَّى يُجَاوِزَهَا، وَلَا يدخل عليهم إلا أن يكون باكيا معتبرا.
ومنها أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ، وَقَدْ جَاءَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ في هذه القصة في حديث معاذ، وذكرنا علته، ولم يجئ عنه جمع التقديم فِي سَفَرٍ إِلَّا هَذَا، وَصَحَّ عَنْهُ جَمْعُ التقديم بعرفة قبل دخوله عرفة.
ومنها جواز التيمم بالرمل، فإنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه قطعوا تلك الرمال، ولم يحملوا معهم ترابا، وتلك مفاوز معطشة، وشكوا فِيهَا الْعَطَشَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.
ومنها أنه أقام بتبوك بضعة عشر يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَقُلْ لِلْأُمَّةِ: لَا يقصر رجل إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن انقضت إِقَامَتُهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَهَذِهِ الْإِقَامَةُ فِي حَالِ السَّفَرِ لَا تَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ سَوَاءٌ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَوْطِنٍ ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع، قال ابن المنذر: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ مَا لَمْ يُجْمِعْ إِقَامَةً، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سنون.
وَمِنْهَا جَوَازُ بَلِ اسْتِحْبَابُ حِنْثِ الْحَالِفِ فِي يمينه إذا رأى غيرها خيرا منها، وإن شاء قدّم الكفارة، وإن شاء أخرها.
وَمِنْهَا انْعِقَادُ الْيَمِينِ فِي حَالِ الْغَضَبِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ بِصَاحِبِهِ إِلَى حَدٍّ لَا يَعْلَمُ مَعَهُ مَا يَقُولُ، وَكَذَلِكَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَتَصِحُّ عُقُودُهُ، فَلَوْ بَلَغَ