بن الدخشم ومعن بن عدي فَقَالَ: «انْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ، فاهدماه وحرقاه بالنار» ، فخرجا مسرعين، حتى دخلاه وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، وتفرق عنه أهله، فأنزل الله سبحانه فِيهِ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] (?) فلما دنا مِنَ الْمَدِينَةِ خَرَجَ النَّاسُ لِتَلَقِّيهِ، وَخَرَجَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْوَلَائِدُ يَقُلْنَ:
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا ... مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا ... مَا دَعَا لله داع
وبعضهم يروي هذا عند مقدمه مهاجرا وهو وَهْم (?) ؛ لأن ثنيات الوداع من ناحية الشَّامِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «هَذِهِ طابة» ، وقال «هذا أُحد جبل يحبنا ونحبه» فلما دخل بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، وكانت تلك عادته صلى الله عليه وسلم، ثم جلس للناس، فجاءه المخلفون يعتذرون إليه، ويحلفون له، فقبل منهم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى خالقهم، وفيهم نزل قوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: 94] (?) الآية وما بعدها.
فصل
في الإشارة إلى ما تضمنته هذه القصة من الفوائد فَمِنْهَا جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِنْ كَانَ خُرُوجُهُ فِي رَجَبٍ مَحْفُوظًا عَلَى مَا قاله ابن إسحاق، ومنها إعلام الإمام القوم بالأمر الذي يضرهم إخفاؤه، وستره عنهم لِلْمَصْلَحَةِ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا اسْتَنْفَرَ الْجَيْشَ لزم لهم النَّفِيرُ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ التَّخَلُّفُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، ولا يشترط في الوجوب تعيين كل واحد منهم بعينه، وهذا أحد المواضع الثلاثة التي يصير الجهاد فيها فرض عين، والثاني: إذا حاصر الْعَدُوُّ الْبَلَدَ، وَالثَّالِثُ: إِذَا حَضَرَ بَيْنَ الصَّفين.
وَمِنْهَا وُجُوبُ الْجِهَادِ بِالْمَالِ كَمَا يَجِبُ بِالنَّفْسِ، وهذا هو الصواب الذي لا ريب