عمن هَمَّ بقتله، ومسحه صدره ودعاؤه له، وجواز الانتظار بالقسمة إسلام الكفار، فيرد عليهم ما أُخذ منهم، وفي هذا دليل على إِنَّ الْغَنِيمَةَ إِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقِسْمَةِ لَا بِمُجَرَّدِ الاستيلاء عليها، فلو مات أحد قبلها أو إحرازها بدار الإسلام رد نصيبه إلى بقية الغانمين، وهذا مذهب أبي حنيفة، ونص أحمد أن النفل يكون من أربعة الأخماس، وهذا الإعطاء منه، فهو أولى من تنفل الثلث بعد الخمس والربع بعده.
ولما عميت أبصار ذي الخويصرة وأضرابه عن هذه المصلحة والحكمة قال قائلهم: اعدل.
والإمام نائب عن المسلمين يتصرف بمصالحهم وقيام الدين، فإن تعين لِلدَّفْعِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ، وَاسْتِجْلَابِ أعداء الإسلام إليه، ليأمن شرهم ساغ ذلك بل تعين، ومبنى الشريعة باحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل مبنى مصالح الدنيا والدين على هذين.
وفيها جَوَازِ بَيْعِ الرَّقِيقِ، بَلِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ نسيئة ومتفاضلا، وأن الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا جَعَلَا بَيْنَهُمَا أَجَلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ جاز إذا اتفقا عليه، هو الراجح إذ لا محذور فيه ولا غرر.
وقوله: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سلبه» اختلف هل هو مستحق بالشرع أو الشرط؟ على قولين هما روايتان عن أحمد، ومأخذ النزاع هل قاله بمنصب الرسالة فيكون شرعا عاما كقوله: «من زرع أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزرع شيء، وله نفقته» ، أو بمنصب الفتيا كقوله لهند بنت عتبة: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، أو بمنصب الإمامة فتكون مصلحة للأمة في ذلك الوقت، فيلزم من بعده مراعاة ذلك بحسب المصلحة.
ومن هاهنا اختلفوا في كثير من المواضع كقوله: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» ، وفيها الاكتفاء في ثبوت هذه الدعوى بشاهد من غير يمين، وأنه لا يشترط التلفظ بأشهد، وفيها أن السلب لا يخمس، وأنه من أصل الغنيمة، وأنه يستحقه من لا يُسهم له من امرأة وصبي، وأنه يستحق سلب جميع من قتل وإن كثر.
فصل
في غزوة الطائف لما انهزمت ثقيف دخلوا حصنهم، وتهيئوا للقتال وسار رسول الله