فصل
في غزوة حنين قال ابن إسحاق: ولما سمعت هوازن بالفتح جمع مالك بن عوف هوازن، واجتمعت إليه ثقيف وجشم، وفيهم دريد بن الصمة شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ فِيهِ إلا رأيه، ثم ذكر القصة. ثم قال: وعد الله رسوله أَنَّهُ إِذَا فَتَحَ مَكَّةَ دَخَلَ النَّاسُ فِي دين الله أفواجا، فاقتضت الحكمة أن أمسك الله قُلُوبَ هَوَازِنَ وَمَنْ تَبِعَهَا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يجتمعوا وَيَتَأَلَّبُوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ لِيَظْهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَتَمَامُ إِعْزَازِهِ لرسوله لتكون غنائم شكرا لِأَهْلِ الْفَتْحِ، وَلِيُظْهِرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ وَقَهْرَهُ لِهَذِهِ الشَّوْكَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا، فَلَا يُقَاوِمُهُمْ بَعْدُ أَحَدٌ مِنَ العرب.
وأذاقهم أولا مرارة الهزيمة مع قوتهم ليطامن رؤساء رُفِعَتْ بِالْفَتْحِ، وَلَمْ تَدْخُلْ بَلَدَهُ وَحَرَمَهُ كَمَا دخل رسوله صلى الله عليه وسلم منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه يكاد أن تمس قربوس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته وليبين لمن قال: لن نغلب اليوم من قلة أن النصر من عنده، فلما انكسرت قلوبهم أرسل إِلَيْهَا خِلَعُ الْجَبْرِ مَعَ بَرِيدِ النَّصْرِ ثُمَّ أَنْزَلَ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إِنَّمَا تَفِيضُ عَلَى أَهْلِ الِانْكِسَارِ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ - وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 5 - 6] (?) . وافتتح غزو العرب ببدر، وختمه بحنين، وقاتلت الملائكة فيهما، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحصباء فيهما، وبهما طفئت جمرة العرب، فبدر خوفتهم، وكسرت حدتهم، وهذه استفرغت قواهم.
وفيها جواز استعارة سلاح المشرك، وأن من تمام التوكل استعمال الأسباب، وأن ضمان الله له العصمة لا ينافي تعاطي الأسباب، كما أن إخباره أنه مظهر دينه لا يناقض أنواع الجهاد.
وشرطه ضمان العارية هل هو إخبار عن شرعه في العارية أو إخبار عن ضمانها بالأداء بعينها؟ اختلف فيه، وفيها عقر مركوب العدو إذا أعان على قتله ; وليس هنا من تعذيب الحيوان المنهي عنه، وعفوه صلى الله عليه وسلم