من الطاعة الرغبة والرهبة الدنيوية؟ وكيف بمن دخلها من إخوان الشيطان، وأوهموا الجهال أنه من ميراث إبراهيم الخليل عليه السلام؟! .
فصل
في غزوة الفتح العظيم الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ دِينَهُ وَرَسُولَهُ وَجُنْدَهُ وحرمه الأمين، وَهُوَ الْفَتْحُ الَّذِي اسْتَبْشَرَ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَضَرَبَتْ أَطْنَابُ عِزِّهِ عَلَى مَنَاكِبِ الْجَوْزَاءِ، وَدَخَلَ الناس به في دين الله أفواجا. خرج له صلى الله عليه وسلم سنة ثمان لعشر مضين من رمضان. ثم ذكر القصة.
ثم قال: وفيها من الفقه أَنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إِذَا حَارَبُوا مَنْ هُمْ في ذمة الإمام صاروا حربا له بذلك، فَلَهُ أَنْ يُبَيَّتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُ أن يعلمهم على سواء، وإنما يكون ذلك إذا خاف منهم الخيانة، فإذا تحققها فلا.
وفيها انتقاض عهد الجميع بذلك إذا رضوا به، كما أنهم يدخلون في العهد تبعا.
وفيها جواز الصلح عشر سنين، والصواب أنه يجوز فوق ذلك للحاجة والمصلحة، وأن الإمام إِذَا سُئل مَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ أَوْ لا تجب فسكت لم يكن سكوته بذلا؛ لأن أبا سفيان سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، ولم يكن بهذا السكوت معاهدا له.
وفيه أن الرسول لا يقتل؛ لأن أبا سفيان ممن نقض، وقتل الجاسوس المسلم، وتجريد المرأة كلها للحاجة، وأن الرجل إذا نسب المسلم بكفر أو نفاق متأولا غضبا لله لا لهواه لم يأثم، وأن الكبيرة العظيمة قد تكفر بالحسنة الكبيرة، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (?) وبالعكس كقوله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] (?) وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] (?) .
ثم قرر قصة حاطب، وقصة ذي الخويصرة وأمثاله، ثم قال: وَمَنْ لَهُ لُبٌّ وَعَقْلٌ يَعْلَمُ قَدْرَ هَذِهِ المسألة، وشدة الحاجة إليها، ويطلع منها على باب عظيم من معرفة الله وحكمته، وَفِيهَا جَوَازُ دُخُولِ مَكَّةَ لِلْقِتَالِ الْمُبَاحِ بِغَيْرِ إحرام، ولا خلاف أنه لا يدخل من