الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هنيئا له الجنة، فقال: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المقاسم لتشتعل عليه نارا.»
ثم عبأ أصحابه ودعا أهل الوادي إلى الإسلام، فبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير فقتله، ثم برز رجل آخر، فبرز إليه علي فَقَتَلَهُ، حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، كُلَّمَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ دَعَا مَنْ بَقِيَ إلى الإسلام، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَمْسَوْا وَغَدَا عَلَيْهِمْ، فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشمس قدر رُمْحٍ حَتَّى أَعْطَوْا مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَفَتَحَهَا عَنْوَةً، وعامل اليهود على الأرض والنخل، فلما بلغ يهود تيجاء ما وطئ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل خيبر وفدك ووادي القرى صالحوه على الجزية، وأقاموا بأيديهم أموالهم، وما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، ومن وراء ذلك من الشام، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطريق عرس، وقال لبلال: «اكلأ لنا الفجر» وذكر الحديث. وروي أنها في مرجعه من الحديبية، وقيل: مرجعه من تبوك.
ففيه أَنَّ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها والرواتب تقضى، وأن الفائتة يؤذَّن لها ويُقام، وقضاء الفائتة جماعة، وأن القضاء على الفور لقوله: «فليصلها إذا ذكرها» وتأخيرها عن المعرس؛ لأنه مكان الشيطان، فارتحل إِلَى مَكَانٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ المبادرة، فإنهم في شغل الصلاة وفي شأنها.
وفيه تَنْبِيهٌ عَلَى اجْتِنَابِ الصَّلَاةِ فِي أَمْكِنَةِ الشَّيْطَانِ كالحمام بطريق الأولى.
ولما رجعوا رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم، وأقام بالمدينة إلى شوال يبعث السرايا، «منها سرية ابن حذافة الذي أمر أصحابه بدخول النار، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المعروف» . فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ دَخَلُوهَا دَخَلُوهَا طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي ظَنِّهِمْ، فَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ مُخْطِئِينَ، فَكَيْفَ يخلدون فيها؟ قيل: لما هموا بالمبادرة من غير اجتهاد منهم مع علمهم أن الله نهاهم عن قتل أنفسهم لم يعذروا. وإذا كان هذا فيمن عذب نفسه طاعة لولي الأمر المأمور بطاعته، فكيف بمن عَذَّبَ مُسْلِمًا لَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ طَاعَةً لِوَلِيِّ الأمر؟ وإذا كان الصحابة المذكورون لو دخلوها ما خَرَجُوا مِنْهَا مَعَ قَصْدِهِمْ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِذَلِكَ الدُّخُولِ، فَكَيْفَ بِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا لا يجوز