وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَادِهِ وَتَكْوِينِهِ فَقَدْ ظَنَّ به ظن السوء، ومن ظن أنه متعطل من الأزل إلى الأبد عن الفعل، ولا يوصف به ثم صار قادرا عليه، فقد ظن به الظن السوء، ومن ظن أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَعْلَمُ الموجودات، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَمَنْ ظَنَّ أنه لا إرادة له، ولا كلام يقوم به، ولم يكلم أحدا، ولا يتكلم أبدا، وَلَا لَهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ يَقُومُ بِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَمَنْ ظَنَّ أنه ليس فوق سماواته على عرشه بائنا من خلفه، وأن الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ومن قال: سبحان ربي الأسفل، كمن قال: سبحان ربي الأعلى، فقد ظن به أقبح الظن، ومن ظن أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان، كما يحب الطاعة، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي، وَلَا يَقْرُبُ مِنْ أحد ولا يقرب منه أحد، فقد ظن به ظن السوء، وكذلك من ظَنَّ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ يُحْبِطُ طاعات العمر بكبيرة واحدة تكون بعدها فيخلد فاعلها في النار أبد الآبدين بتلك الكبيرة، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ ظَنَّ بِهِ خِلَافَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أو وصفه به رسوله، أو عطّل ما وصف به نفسه، فقد ظن به ظن السوء، كمن ظَنَّ أَنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ شَرِيكًا أَوْ شفيعا بغير إذْنِهِ، أَوْ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَسَائِطَ، يرفعون حوائجهم إليه، أو أن ما عنده ينال بالمعصية كما ينال بالطاعة، أو ظن أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لِأَجْلِهِ شَيْئًا لَمْ يُعَوِّضْهُ خيرا منه، أو ظن أنه يعاقب بمحض المشيئة بغير سبب من العبد، أو ظن أنه إذا صدق في الرغبة والرهبة أنه يجيبه، أو ظن أَنَّهُ يُسَلِّطُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - أعداءه تسليطا مستقرا في حياته ومماته، وأنه ابتلاه بِهِمْ لَا يُفَارِقُونَهُ، فَلَمَّا مَاتَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دون وصيِّته وظلموا أهل بيته، وكانت العزة لأعدائه وأعدائهم بلا ذنب لأوليائه، وهو يقدر على نصرهم، ثم جعل أعداءه المبدلين دينه مضاجعين له في حفرته وتسلم أمته عليه وعليهم، وكل مبطل وكافر ومبتدع مقهور، فهو يظن بربه هذا الظن، فأكثر الخلق بل كلهم إلا ما شَاءَ اللَّهُ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ السوء، ومن فتش نفسه، رَأَى ذَلِكَ فِيهَا كَامِنًا كُمُونَ النَّارِ فِي الزناد، فاقدح من زناد من شئت ينبئك شرره عما في زناده، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفَتِّشْ نَفْسَكَ هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015