لأنه ظن لا يليق بالله وصفاته وأسمائه وحكمته وحمده، وتفرده بالربوبية والألوهية وصدقه في وعده، فمن ظن أنه لا يتم أمر رسوله، وأنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة، يضمحل معها الحق اضمحلالا لا يقوم بعده، فقد ظن به ظَنَّ السَّوْءِ، وَنَسَبَهُ إِلَى خِلَافِ مَا يَلِيقُ بكماله وصفاته، ومن أنكر أن يكون ذلك بقدره، فما عرفه ولا عرف ملكه، وكذلك من أنكر الحكمة التي يستحق الحمد عليها في ذلك، فزعم أنها مشيئة مجردة عن الحكمة، فذلك ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النار.
وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفي غيرهم، ولا يسلم من ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَرَفَ اللَّهَ، وَعَرَفَ أَسْمَاءَهُ وصفاته وموجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَمَنْ جَوَّزَ عليه أنه يعذب المحسن، ويسوي بينه وبين عدوه، فقد ظن به ذلك، ومن ظن أنه يترك خلقه سدى من الأمر والنهي، فقد ظن به ظن السوء. وكذلك من ظن أنه لا يثيبهم ولا يعاقبهم، ولا يبين لهم ما اختلفوا فيه، وكذلك من ظن أنه يضيع العمل الصالح بلا سبب من العبد، ويعاقبه بما لا صُنع فيه، أو جوّز عليه أن يؤيد أعداءه بالمعجزات التي يؤيد بها الرسل، وأنه يحسن منه كل شيء حتى يخلد في النار من فنى عمره في طاعته، وينعم من أستنفذ عمره في معصيته، وكلاهما في الحسن سواء لا يعرف امتناع أحدهما إلَّا بِخَبَرٍ صَادِقٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ لَا يَقْضِي بقبح أحدهما وحسن الآخر، وكذلك من ظن أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِمَا ظاهره باطل، وَتَرَكَ الْحَقَّ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ وَإِنَّمَا رَمَزَ إليه رموزا بعيدة، وصرح دائما بالتشبيه وبالباطل، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم في تحريف كلامه، وَأَحَالَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى عُقُولِهِمْ، لَا عَلَى كِتَابِهِ، بَلْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ لغتهم مع قدرته على التصريح بالحق، وإزالة الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل، وَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ وَسَلَفُهُ عَبَّرُوا عَنِ الْحَقِّ دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنَّ الْهُدَى وَالْحَقَّ فِي كلامهم، وأن كلام الله لا يؤخذ من ظاهره إلا الضلال فهذا من أسوأ الظن بالله، فكل من هَؤُلَاءِ مِنَ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَمِنَ الظانين بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومن ظن أنه يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ،