فصل وأما سيرته مع أوليائه، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصْبِرَ نَفْسَهُ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن لا تعدو عيناه عنهم، وأن يعفو عنهم، ويستغفر لهم، ويشاورهم، ويصلي عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ بِهَجْرِ مَنْ عَصَاهُ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ حتى يتوب كما هجر الثلاثة، وأمره أن يقيم الحدود فيهم على الشريف والوضيع.
وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِ عَدُوِّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أن يدفع بالتي هي أحسن، فيقابل الإساءة بالإحسان، والجهل بالحلم، والظلم بالعفو، والقطيعة بالصلة، وأخبر أنه إن فعل ذلك عاد العدو كأنه ولي حميم.
وأمره في دفع عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة، وَجَمَعَ لَهُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ في (الأعراف) ، و (المؤمنين) ، و (حم السجدة) وجمع في آية (الأعراف) مكارم الأخلاق كُلَّهَا، فَإِنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَهُ مَعَ الرَّعِيَّةِ ثلاثة أحوال: فعليهم حق يلزمهم له، ومن أمر يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيطٍ وَعُدْوَانٍ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي حَقِّهِ، فَأُمِرَ بِأَنْ يَأْخُذَ مما عليهم مما سمحت به أنفسهم وهو العفو، وأمر أن يأمرهم بالعُرف، وهو ما تعرفه العقول السليمة، والفطر المستقيمة، وأيضا يأمرهم بالعرف لا بالعنف، وأمره أن يقابل جهلهم بالإعراض، فهذه سيرته مع أهل الأرض جنهم وإنسهم، مؤمنهم وكافرهم.
فصل
في سياق مغازيه وأول لواء عقده لحمزة في رمضان على سبعة أشهر من الهجرة بعثه في ثلاثين مِنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً، يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، جَاءَتْ من الشام، فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل، فلما التقوا حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وَكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ.
ثم بعث عبيدة بن الحارث فِي سَرِيَّةٍ إِلَى بَطْنِ رَابِغٍ فِي شَوَّالٍ في ستين من المهاجرين، فلقي أبا سفيان في مائتين، فكان بينهم رمي، ولم يسلُّوا السيوف، وكان سعد أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وقدمها ابن إسحاق على سرية حمزة.
ثم بعث سعدا إلى الحرار