شَيْءٍ يَسْأَلُونَهَا، {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: 5] يعني أَبَدًا مَا دَامَتِ الدُّنْيَا؟ {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5] لِأَنَّهَا جَمَادٌ لَا تَسْمَعُ وَلَا تفهم.
[قوله تعالى وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا] بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ. . .
[6] {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 6] جَاحِدِينَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [الْقَصَصِ: 63]
[7] {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: 7] يُسَمُّونَ الْقُرْآنَ سِحْرًا.
[8] {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [الأحقاف: 8] مُحَمَّدٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَقَالَ الله -عزّ وجلّ-: {قُلْ} [الأحقاف: 8] يا محمد، {إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الأحقاف: 8] لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَنِّي عَذَابَهُ إِنْ عَذَّبَنِي عَلَى افْتِرَائِي، فكيفا أَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ مِنْ أَجْلِكُمْ، {هُوَ أَعْلَمُ} [الأحقاف: 8] الله أعلم، {بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} [الأحقاف: 8] تَخُوضُونَ فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْقُرْآنِ وَالْقَوْلِ فِيهِ إِنَّهُ سِحْرٌ. {كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأحقاف: 8] أَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الأحقاف: 8] فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا دُعَاءٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ، مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- غَفُورٌ لِمَنْ تَابَ مِنْكُمْ رَحِيمٌ بِهِ.
[9] {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9] أي لَسْتُ بِأَوَّلِ مُرْسَلٍ، قَدْ بُعِثَ قَبْلِي كَثِيرٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَيْفَ تُنْكِرُونَ نُبُوَّتِي. {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالُوا: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا أَمْرُنَا وَأَمْرُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا وَاحِدٌ، وَمَا لَهُ عَلَيْنَا مِنْ مَزِيَّةٍ وَفَضْلٍ، وَلَوْلَا أَنَّهُ ابْتَدَعَ مَا يَقُولُهُ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ لَأَخْبَرَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِمَا يُفعل بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ. {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الْفَتْحِ: 2] فَقَالَتِ الصَّحَابَةُ: هَنِيئًا لَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا مَا يُفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح: 5] الآية، وَأَنْزَلَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 47] فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُفْعَلُ به ربهم وقالت جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] فِي الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ مَنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَرْضًا ذَاتَ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ رُفِعَتْ لَهُ يُهَاجِرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: مَتَى تُهَاجِرُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُرِيتَ فَسَكَتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] » ، أَأُتْرَكُ فِي مَكَانِي أَمْ أَخْرُجُ أنا وأنتم إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي رُفِعَتْ لِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِلَى ماذا يصير عاقبة أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ فِي الدُّنْيَا، بِأَنْ أُقِيمَ مَعَكُمْ فِي مَكَانِكُمْ أَمْ أخرج كما خرجت