يُجَازَوْنَ بِكُفْرِهِمْ. وَقِيلَ: خَبَرُهُ قَوْلُهُ مِنْ بَعْدِ: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت: 41] قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ: قَالَ قَتَادَةُ: أَعَزَّهُ اللَّهُ -عزّ وجلّ- فَلَا يَجِدُ الْبَاطِلُ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
[42] وَهُوَ قَوْلُهُ: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: الْبَاطِلُ هُوَ الشَّيْطَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ أَوْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يَنْقُصَ منه. قال الحجاج: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهُ، فَيَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ يُزَادَ فِيهِ فَيَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مَنْ خَلْفِهِ، وَعَلَى هَذَا مَعْنَى: الْبَاطِلُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يَأْتِيهِ التَّكْذِيبُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَلَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِ كِتَابٌ فَيُبْطِلُهُ. {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ثُمَّ عَزَّى نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى تَكْذِيبِهِمْ.
[43] فَقَالَ: {مَا يُقَالُ لَكَ} [فصلت: 43] مِنَ الْأَذَى، {إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فُصِّلَتْ: 43] يَقُولُ إِنَّهُ قَدْ قِيلَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ قَبْلَكَ سَاحِرٌ كَمَا يُقَالُ لَكَ، وكُذِّبوا كَمَا كُذِّبْتَ، {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} [فصلت: 43] لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ بِكَ {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت: 43] لِمَنْ أَصَرَّ عَلَى التَّكْذِيبِ.
[44] {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ} [فصلت: 44] أَيْ جَعَلَنَا هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي تَقْرَؤُهُ عَلَى النَّاسِ، {قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: 44] بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ، {لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 44] هَلَّا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى نفهمها، {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44] يَعْنِي أَكِتَابٌ أَعْجَمِيٌّ وَرَسُولٌ عَرَبِيٌّ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ، أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ عَرَبِيٌّ وَالْمُنَزَّلُ أَعْجَمِيٌّ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْخُلُ عَلَى يَسَارٍ غُلَامِ عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ يَهُودِيًّا أَعْجَمِيًّا، يعني أَبَا فَكِيهَةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ يَسَارٌ فَضَرَبَهُ سَيِّدُهُ، وَقَالَ: إِنَّكَ تُعَلِّمُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ يَسَارٌ: هُوَ يُعَلِّمُنِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية: {قُلْ} [فصلت: 44] يا محمد {هُوَ} [فصلت: 44] يَعْنِي الْقُرْآنُ، {لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]
لِمَا فِي الْقُلُوبِ، وَقِيلَ: شِفَاءٌ مِنَ الْأَوْجَاعِ، {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] قَالَ قَتَادَةُ: عَمُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَصُمُّوا عَنْهُ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ كَمَا أَنَّ مَنْ دُعِيَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يَفْهَمْ، وَهَذَا مَثَلٌ لِقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِمَا يُوعَظُونَ بِهِ كَأَنَّهُمْ يُنَادَوْنَ مِنْ حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ.
[45] {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [فصلت: 45] فَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ كَمَا اخْتَلَفَ قَوْمُكَ فِي كِتَابِكَ، {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [فصلت: 45] فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ بالقرآن، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [فصلت: 45] لَفَرَغَ مِنْ عَذَابِهِمْ وَعَجَّلَ إِهْلَاكَهُمْ، {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} [فصلت: 45] من صدقك، {مُرِيبٍ} [فصلت: 45] مُوْقِعٍ لَهُمُ الرِّيبَةَ.