[34] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34] قَالَ الْفَرَّاءُ: (لَا) هَاهُنَا صِلَةٌ، معناه: لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ، يَعْنِي الصَّبْرُ وَالْغَضَبُ، وَالْحِلْمُ وَالْجَهْلُ، وَالْعَفْوُ وَالْإِسَاءَةُ. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَرَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَبِالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَبِالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ. {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} [فصلت: 34] يَعْنِي إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ خَضَعَ لَكَ عَدُوُّكَ وَصَارَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] كَالصَّدِيقِ وَالْقَرِيبِ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَانَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ شِدَّةِ عَدَاوَتِهِ بِالْمُصَاهَرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَسْلَمَ فَصَارَ وَلِيًّا بِالْإِسْلَامِ، حَمِيمًا بالقرابة.
[35] {وَمَا يُلَقَّاهَا} [فصلت: 35] مَا يُلَقَّى هَذِهِ الْخَصْلَةَ وَهِيَ دَفْعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ، {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت: 35] عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وَاحْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35] فِي الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْحَظُّ الْعَظِيمُ الْجَنَّةُ، أَيْ مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا مَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.
[36] {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} [فصلت: 36] لاستعاذتك وأقوالك، {الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] بأفعالك وأحوالك.
[37] قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] إنما قال {خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] بِالتَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ أَجْرَاهَا عَلَى طَرِيقِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ، وَلَمْ يُجْرِهَا عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ لِلْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]
[38] {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} [فصلت: 38] عَنِ السُّجُودِ، {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [فصلت: 38] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] لا يملون ولا يفترون.
[قوله تعالى وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا] أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ. . .
[39] {وَمِنْ آيَاتِهِ} [فصلت: 39] دَلَائِلِ قُدْرَتِهِ، {أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت: 39] يا بسة غَبْرَاءَ لَا نَبَاتَ فِيهَا،
{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39]
[40] {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} [فصلت: 40] يَمِيلُونَ عَنِ الْحَقِّ فِي أَدِلَّتِنَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَاللَّغْوِ وَاللَّغَطِ. قَالَ قَتَادَةُ: يَكْذِبُونَ فِي آيَاتِنَا. قَالَ الْسُّدِّيُّ: يُعَانِدُونَ وَيُشَاقُّونَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ. {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ} [فصلت: 40] وَهُوَ أَبُو جَهْلٍ، {خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40] قِيلَ: هُوَ حَمْزَةُ. وَقِيلَ: عُثْمَانُ. وقيل: عمار بن يا سر. {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] أَمْرُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] عَالَمٌ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ.
[41] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} [فصلت: 41] بالقرآن، {لَمَّا جَاءَهُمْ} [فصلت: 41] ثُمَّ أَخَذَ فِي وَصْفِ الذِّكْرِ وَتَرَكَ جَوَابَ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، عَلَى تَقْدِيرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ