واحد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ (إسماعيل) عليه الصلاة والسلام، وروى ابن جرير عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُفْدَى إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود، وروى مجاهد، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: الذبيح إسماعيل، وقال مجاهد: هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وَقَدْ رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ محمد بن إسحاق، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ مِنِ ابني إبراهيم (إسماعيل) عليه السلام، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تعالى إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ مِنِ ابْنَيْهِ (إِسْمَاعِيلُ) وَإِنَّا لَنَجِدُ ذلك في كتاب
الله تعالى، وذلك أن الله تعالى حِينَ فَرَغَ مِنْ قِصَّةِ الْمَذْبُوحِ مِنِ ابنَيْ إبراهيم قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين}، ويقول اللَّهُ تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} يَقُولُ: بِابْنٍ، وَابْنِ ابْنٍ، فَلَمْ يَكُنْ ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من الْمَوْعِدُ بِمَا وَعَدَهُ، وَمَا الَّذِي أَمَرَ بِذَبْحِهِ إلا إسماعيل، قال ابن إسحاق: سمعته يقول ذلك كثيراً. وقال ابن إسحاق، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ إِذْ كَانَ مَعَهُ بِالشَّامِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا كُنْتُ أَنْظُرُ فِيهِ، وَإِنِّي لَأَرَاهُ كَمَا قُلْتَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ بِالشَّامِ كَانَ يَهُودِيًّا، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ يَرَى أَنَّهُ من علمائهم، فسأله عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه عَنْ ذَلِكَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: وَأَنَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ عمر: أيُّ ابن إِبْرَاهِيمَ أُمِرَ بِذَبْحِهِ؟ فَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ يَهُودَ لَتَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَبَاكُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، وَالْفَضْلُ الذي ذكر الله تعالى مِنْهُ لِصَبْرِهِ لِمَا أُمِرَ بِهِ فَهُمْ يَجْحَدُونَ ذلك، ويزعمون أنه إسحاق، لأن إِسْحَاقَ أَبُوهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا كَانَ، وَكُلٌّ قَدْ كَانَ طَاهِرًا طَيِّبًا مُطِيعًا لِلَّهِ عزَّ وجلَّ (ذهب ابن جرير الطبري إلى أن الذبيح هو (إسحاق) وهو قول لبعض علماء السلف وإحدى الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواية عن كعب الأحبار، والصحيح كما قال ابن كثير أن الذبيح هو (إسماعيل) للآثار الكثيرة الواردة وظاهر القرآن الكريم كما في رواية ابن إسحاق، والله أعلم.)، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الذَّبِيحِ، هل هُوَ إِسْمَاعِيلُ أَوْ إِسْحَاقُ؟ فَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ (ذَكَرَهُ ابن حنبل فِي كِتَابِ الزُّهْدِ.).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ عليه الصلاة والسلام، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وأبي صالح رَّضِيَ الله عَنْهُمْ أنهم قالوا: الذبيح إسماعيل، وَإِنَّمَا عَوَّلَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي اخْتِيَارِهِ أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} فَجَعَلَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ هِيَ الْبِشَارَةُ بِإِسْحَاقَ في قوله تعالى: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عليم}، وَلَيْسَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِمَذْهَبٍ وَلَا لَازِمٍ، بَلْ هُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَالَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ عَلَى أَنَّهُ (إِسْمَاعِيلُ) أثبت وأصح وأقوى، والله أعلم.
وقوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} لَمَّا تَقَدَّمَتِ الْبِشَارَةُ بِالذَّبِيحِ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ عَطَفَ بِذِكْرِ الْبِشَارَةِ بِأَخِيهِ إِسْحَاقَ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي سُورَتَيْ هُودٍ والحجر، وقوله تعالى: {نَبِيّاً} أي سيصير منه نبي صالح، قال