لِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ مِنْ ذَبْحِي، {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} أَيْ سَأَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَصَدَقَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيمَا وَعَدَ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}، قال تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أَيْ فَلَمَّا تَشَهَّدَا وَذَكَرَا اللَّهَ تَعَالَى (إِبْرَاهِيمُ) عَلَى الذَّبْحِ و (الولد) شَهَادَةِ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: {أَسْلَمَا} يَعْنِي اسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا، إبراهيم امتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله ولأبيه (قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وهو الأظهر)، ومعنى {تلّه لِلْجَبِينِ}: أَيْ صَرَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ لِيَذْبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ، وَلَا يُشَاهِدَ وَجْهَهُ عِنْدَ ذَبْحِهِ لِيَكُونَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، قال ابن عباس: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أكبه على وجهه (وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال: لما أمر إبراهيم عليه السلام بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ
الشَّيْطَانُ عِنْدَ السَّعْيِ فَسَابَقَهُ، فسبقه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتِ، وَثَمَّ تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قَمِيصٌ أَبْيَضُ: فَقَالَ لَهُ يَا أَبَتِ إِنَّهُ ليس لي ثوب تكفني فيه غيره، فاخلعه حتى تكفني فِيهِ، فَعَالَجَهُ لِيَخْلَعَهُ، فَنُودِيَ مِنْ خَلْفِهِ: {أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين (هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد عن ابن عباس موقوفاً).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} أَيْ قَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ رُؤْيَاكَ بِإِضْجَاعِكَ وَلَدَكَ لِلذَّبْحِ، وَذَكَرَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أمرَّ السِّكِّينَ عَلَى رَقَبَتِهِ فَلَمْ تَقْطَعْ شيئاً، بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس، ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك {قد صَدَّقْتَ الرؤيآ}، وقوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أَيْ هَكَذَا نَصْرِفُ عَمَّنْ أَطَاعَنَا الْمَكَارِهَ وَالشَّدَائِدَ، وَنَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يحتسب}، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} أَيِ الِاخْتِبَارُ الْوَاضِحُ الْجَلِيُّ حَيْثُ أُمِرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ فَسَارَعَ إِلَى ذَلِكَ، مُسْتَسْلِمًا لِأَمْرِ اللَّهِ تعالى مُنْقَادًا لِطَاعَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وفى}، وقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} عن علي رضي الله عنه قال: بكبش أبيض أقرن قد ربط بسمرة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كَبْشٌ قَدْ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الكبش يرتع في الجنة، حتى شقق عنه ثبير، وكان عليه عهن أحمر (ذكر أن الكبش هو الذي قر به ابن آدم وكان في الجنة حتى فدي به إسماعيل وهو منقول عن بعض السلف)، قال مجاهد: ذبحه بمنى عند النحر، وقال الثوري، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قال: وعل، وقال الحسن: ما فدي إسماعيل عليه السلام إِلَّا بِتَيْسٍ مِنَ الْأَرْوَى، أُهْبِطَ عَلَيْهِ مِنْ ثبير.
(ذكر الآثار الواردة بأنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو الصحيح المقطوع به).
تقدمت الرواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ إسحاق عليه الصلاة والسلام، وروى مجاهد وعطاء وغير