فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ أَنَّهُمْ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} قَبْلَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ {لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} أَيْ مِنْ جَمِيعِ الأمم الذين أرسل إليهم الرسل، كقوله تعالى: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وهدى ورحمة}، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ المخلصين. فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يعلمون}، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ} وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أُنْزِلَ مَعَهُ مِنَ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُبِينُ {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} أي ما زادوا إِلَّا كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ، ثُمَّ بيَّن ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} أَيِ اسْتَكْبَرُوا عَنِ اتباع آيات الله، {وَمَكْرَ السيء} أَيْ وَمَكَرُوا بِالنَّاسِ فِي صَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْ سبيل الله، {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} أَيْ وَمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: ثَلَاثٌ مِنْ فَعَلَهُنَّ لَمْ يَنْجُ حَتَّى يَنْزِلَ بِهِ، مِنْ مَكْرٍ، أَوْ بَغْيٍ، أَوْ نَكْثٍ، وَتَصْدِيقُهَا فِي كتاب الله تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيء إِلاَّ بِأَهْلِهِ}، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ}، {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ}، وقوله عزَّ وجلَّ: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ} يَعْنِي عُقُوبَةَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ وَمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَهُ، {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} أَيْ لَا تُغَيَّرُ وَلَا تُبَدَّلُ بَلْ هِيَ جَارِيَةٌ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مُكَذِّبٍ {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} أَيْ {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} ولا يكشف ذلك عنهم ولا يتولهم عنهم أحد، والله أعلم.