وقال الحسن: إن عيسى بن مريم أصابه الحر وهو صائم حتى اشتد به، فقالوا: يا روح الله وكلمته! لو بنينا لك بيتاً تسكنه ويكنك من الحر والبرد، قال: لا حاجة لي به فألحوا عليه، فأذن لهم فبنوا عريشاً، فلما دخله فنظر إليه قال: سبحان الله! أعادي أنا!؟ إنما أردت بيتاً إذا جلست أصاب رأسي سقفه، وإذا اضطجعت أصاب جنبي حائطه، ولا حاجة لي بهذا. فلم يسكن بعدها ظل بيتٍ حتى رفع.
قال: وقال الحسن: فوالله لو لم يعذبنا الله إلا بحبنا الدنيا لعذبنا، لأن الله يقول: أحببت شيئاً أبغضه ولقول الله تعالى: " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ".
وحدث مكحول عن كعب أن عيسى بن مريم كان يأكل الشعير ويمشي على رجليه، ولا يركب الدواب ولا يسكن البيوت ولا يصطحب السراج، ولا يلبس الكراسف - يعني القطن - ولم يمس النساء، ولم يمس الطيب، ولم يمزج شرابه بشيءٍ قط، ولم يبرده، ولم يدهن رأسه قط، ولم يقرب رأسه ولحيته غسولٌ قط، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئاً قط إلا لباسه، ولم يهتم لغداءٍ قط ولا لعشاء قط، ولا اشتهى شيئاً من شهوات الدنيا؛ وكان يجالس الضعفاء والمنى والمساكين. وكان إذا قرب إليه طعام على شيءٍ وضعه على الأرض، ولم يأكل مع الطعام إداماً قط؛ وكان يجتزئ من الدنيا بالقوت القليل ويقول: هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير.
قيل لعيسى بن مريم: تزوج، قال: وما أصنع بالتزويج؟ قالوا: تلد لك الأولاد، قال: الأولاد إن عاشوا أفتنوا، وإن ماتوا أحزنوا.
وعن ثابت البناني قال: قيل لعيسى بن مريم: لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك، قال: أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئاً يشغلني عنه.